توجت دولة الإمارات العربية المتحدة جهودها، وتحركاتها الفاعلة في مجلس الأمن الدولي بنجاحها في تمرير أول قرار من المجلس، منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر، يدعو إلى «اتخاذ خطوات عاجلة للسماح فوراً بإيصال المساعدات الإنسانية بشكل موسَّع وآمن ودون عوائق ولتهيئة الظروف اللازمة لوقف مستدام للأعمال القتالية»، في خطوة تؤكد مجدداً كفاءة الدبلوماسية الإماراتية، وقدرتها على التعامل مع أصعب الملفات، وأكثرها تعقيداً بمهنية ومرونة كبيرة.

وظهرت كفاءة الدبلوماسية الإماراتية، التي يقودها بمهنية واقتدار سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، في الخطوات التي اتخذتها لحلحلة التعقيدات المحيطة بالملف في مجلس الأمن، حيث تم تأجيل إصدار القرار أربع مرات متتالية، والدخول في مفاوضات معقدة، وصعبة مع مختلف الأطراف الفاعلة، ولا سيما الولايات المتحدة، لتجنب استخدام حق النقض «الفيتو»، حتى تم التوصل إلى أفضل صيغة ممكنة ومقبولة لتمرير القرار، الذي يعد أول قرار ينص على السماح بإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة بشكل موسع وآمن ودون عوائق، كما تميز القرار بأنه تضمن آلية محددة وواضحة لتنفيذ بنوده، من خلال النص على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تعيين كبير لمنسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار، يكون مسؤولاً في غزة عن تيسير وتنسيق ورصد جميع شحنات الإغاثة الإنسانية المتجهة إلى القطاع.

كما استبقت الدبلوماسية الإماراتية خطوة التصويت بخطوة أخرى مهمة لإقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي على التصويت، حيث نظمت البعثة الدبلوماسية الإماراتية في الأمم المتحدة زيارة لأعضاء مجلس الأمن الحاليين والقادمين إلى معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، بقيادة معالي السفيرة لانا نسيبة، تم خلال هذه الزيارة اطلاع أعضاء المجلس بشكل مباشر على الوضع الإنساني الصعب، الذي يعيشه الفلسطينيون في غزة، وشاهدوا بأعينهم تكدس الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية من دول العالم المختلفة، وعدم قدرتها على الدخول إلى القطاع لإغاثة المحتاجين، وهو ما كان له تأثيره المباشر والكبير في إقناع أعضاء المجلس بالتصويت على القرار.

كفاءة الدبلوماسية ليست مجالاً للبحث عن أدلة وبراهين للتدليل عليها، فقبل أيام أيضاً نجحت دبلوماسية المناخ الإماراتية، التي قادها معالي سلطان الجابر، رئيس مؤتمر «كوب 28»، في تحقيق أكبر اختراق في مؤتمرات المناخ الأممية بالتوصل إلى «اتفاق الإمارات» التاريخي للمناخ في ختام المؤتمر، الذي استضافته الدولة في إكسبو دبي، حيث تمكنت الدبلوماسية الإماراتية من تحقيق توافق تاريخي بين 198 دولة من الدول الأطراف، من أجل مستقبل العمل المناخي، والحفاظ على البشرية وكوكب الأرض، وتوجيه دعوة غير مسبوقة للانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، وتم التوصل إلى تحقيق هذا النجاح التاريخي، والاستثنائي بالرغم من حملة التشكيك، التي طالت الدولة طيلة أيام انعقاد المؤتمر في إكسبو، لتثبت الدبلوماسية الإماراتية أنها على قدر ثقة العالم فيها، وأنها قادرة على التعامل مع أصعب الملفات، والقضايا الدولية.

قرار مجلس الأمن الأخير بخصوص إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، الذي صاغته الإمارات، وإصرارها على تمريره رغم كل الصعوبات والتعقيدات، جاء نابعاً من إحساس الإمارات بالمسؤولية تجاه الأشقاء الفلسطينيين، وضرورة حماية المدنيين، ووقف دائرة الحرب، التي تفتك بأطفال غزة ونسائها وشبابها، ولا سيما مع دخول فصل الشتاء، حيث تزداد معاناة النازحين والمشردين، الذين لا يجدون مأوى لهم، وهو ما يؤكد مجدداً أن الإمارات دولة أفعال، وأنها تعمل بجد من أجل دعم الشعب الفلسطيني بشكل خاص، وحماية السلام والاستقرار في المنطقة والعالم بشكل عام، بالرغم من كل الأبواق، التي هاجمت الدولة، وحاولت التشكيك في مواقفها الداعم للفلسطينيين. لقد أصبحت الدبلوماسية الإماراتية مدرسة يحاول كثيرون التعلم من منها.