في عام 1941 أنتجت شركة فوكس السينمائية وعرضت الفيلم الكوميدي الأمريكي «الرجل الذي فقد نفسه» من إخراج إدوارد لودفيغ، وبطولة «براين أهيرن» و«كي فرانسيس» و«نيلس أستر» عن رواية بنفس الاسم من تأليف الروائي الإيرلندي «هنري دو فير استاكوبول» صاحب رواية «البحيرة الزرقاء» الشهيرة.
وتدور قصة الفيلم حول قطب المتاجر «مالكولم سكوت» الذي يهرب من مصحة عقلية ويذهب إلى الحانة فيلتقي فيها بـ «جون إيفانز» الذي يشبهه كثيراً، ويسهران معاً، ويدعو مالكولم جون إلى منزله للمبيت عنده.
وعندما يستيقظ جون يعتقد كبير الخدم بول وآخرون خطأ أنه سيدهم مالكولم. لاحقاً يقتل مالكولم الحقيقي في حادث مترو الأنفاق، ويقوم جون وسط أحداث ومفارقات طريفة بحماية زوجة مالكولم المنفصلة عنه من التورط في صفقات لبيع متاجر زوجها المتوفى، فتحبه وتثق فيه وتقرر الزواج بشبيه زوجها.
هذا الفيلم كان العمل السينمائي الأول الذي شاهده أبناء الإمارات، من خلال دار سينما مفتوحة أنشأها سلاح الجو الملكي البريطاني داخل القاعدة العسكرية البريطانية بالشارقة في الرابع من مايو سنة 1943 زمن الحرب العالمية الثانية، وذلك من باب الترفيه عن الجنود الإنجليز، لكن سمح للعموم بدخولها.
يقول المؤرخ والباحث «علي إقبال شودري» إنه وجد في أرشيفات سلاح الجو الملكي البريطاني الخاصة بإمارة الشارقة ما يفيد بافتتاح هذه الدار السينمائية تحت اسم «سينما المحطة» لرفع معنويات كوادر السرب الجوي البريطاني إبان تمركزهم في الشارقة لحماية سفن الحلفاء العاملة في بحر عمان ومياه الخليج العربي، خصوصاً وأنهم كانوا محبطين من المشاكل الفنية التي كانت تتعرض لها طائراتهم من نوع «بريستول بلينهايم».
ويضيف أن مقاعد السينما كانت عبارة عن علب البنزين والمياه المستعملة ذات الشكل المكعب، أما الشاشة فقد كانت عبارة عن حائط أبيض رفيع خلف فناء المحطة الذي تحول لاحقاً إلى متحف، وهو لا يزال موجوداً حتى اليوم، بينما كانت الأفلام ومعظمها أمريكية كوميدية أو من أفلام المغامرات، تعرض أسبوعياً وتستقطب جمهوراً عريضاً من سكان الشارقة وبقية الإمارات.
ويقول الكاتب الإماراتي إبراهيم الملا في أحد مقالاته المنشورة إن ذلك الحدث شكل في الواقع الصدمة البصرية الأولى للأهالي الخارجين لتوهم من الصدمة السمعية التي سببها ظهور المذياع، وأن سينما المحطة ساهمت في خلق أول نوع من الاحتكاك البصري مع الشاشة في مكان لم يكن مهيأ لمثل هذه التجربة الفنية والثقافية الكبيرة، والتي للأسف، ونظراً للأمية التعليمية المحيطة بالمكان، لم تؤد سوى لترسيخ ثقافة المشاهدة دون ثقافة التذوق والإنتاج السينمائي.
وأخبرنا الملا أيضاً أنه في خمسينات القرن الماضي ظهر في الإمارات ما عرف بـ «القوافل الثقافية» من خلال سيارات جيب من نوع «لاندروفر» كانت مغطاة وتقوم بعرض أفلام سينمائية انجليزية وأمريكية مع أفلام توعوية وثقافية في الأحياء الشعبية، إلى أن بدأت صالات السينما تظهر تباعاً في أواخر الخمسينات وأواسط الستينات في دبي والشارقة ورأس الخيمة وكلباء وغيرها من المناطق، عارضة أفلاماً عربية وهندية وغربية.
أما الباحث في تاريخ المنطقة الدكتور سلطان بن حرمول فقد استعاد بعض ذكرياته عن سينما المحطة فقال ما مفاده أنه كان يذهب مع والده في الخمسينات لمشاهدة الأفلام الإنجليزية في محطة القاعدة البريطانية، وكانت قيمة التذكرة آنذاك أربع آنات (25 فلساً)، وأنه ظهرت في الشارقة في أواخر الخمسينات «سينما هارون» وكانت غير مسقوفة، وبالتالي كانت عروضها تحت رحمة الظروف الجوية، لكن عشاق الأفلام كانوا يصمدون ويستمرون في المشاهدة حتى في ظل المطر الغزير الذي كانوا يحتمون منه بالكراتين كمظلات، وأن أول فيلم شاهده يوم افتتاح «سينما هارون» سنة 1958 في عرض مجاني هو الفيلم الهندي «نوه رنك» (الألوان التسعة)، ويضيف أنه في الفترة ذاتها تقريباً ظهرت في دبي «سينما الوطن»، ثم ظهرت في الستينات «سينما النخيل» في رأس الخيمة.