في بيئة استراتيجية يسودها عدم اليقين، ولمواجهة احتمالات نشوب حرب في جوارها بين الصين وتايوان، وفي ظل التعاون العسكري المطرد بين بكين وموسكو، وخوفاً من حماقات النظام الكوري الشمالي الأهوج، وجدت اليابان نفسها مجبرة على الدخول في تعاون صناعي حربي مع بريطانيا وإيطاليا، للمرة الأولى في تاريخها. والإشارة هنا إلى ما أعلنته الدول الثلاث مؤخراً، عن عزمها على تطوير مقاتلة أسرع من الصوت من الجيل السادس، بحلول عام 2035، وذلك في إطار «برنامج القتال الجوي العالمي»، المعروف اختصاراً بـ «GCAP».
ولئن دخلت اليابان هذا المشروع وهي تستهدف إنتاج مقاتلة تتميز بقدرات قتالية خارقة، ومزودة بأسلحة وأنظمة موجهة، قادرة على إسقاط أنظمة العدو وتحجيمه، ومتفوقة على المقاتلات الأمريكية من نوع «F 35»، التي تعد اليوم الأكثر تطوراً في العالم، بل ومتفوقة أيضاً على مشروعها الخاص المتمثل في إنتاج مقاتلات «Mitsubishi FX»، الذي اعترته مصاعب جراء تردد واشنطن في تزويدها ببعض التكنولوجيات الحساسة، وذلك من باب حماية نفسها، والدفاع عن مصالحها الجيوستراتيجية، ومصالح النظام الدولي الحر والمفتوح، فإن بريطانيا انضمت إلى المشروع، مدفوعة بأكثر من سبب: فمن ناحية، تشعر بعزلة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، بدليل استبعادها من مشروع مماثل، يضم فرنسا وألمانيا وإسبانيا.
ومن ناحية أخرى، تحتاج إلى شركاء دوليين لمساعدتها في تخفيض تكاليف الإنتاج الحربي، وتأمين طلبات التصدير، كونها تعاني من مشاكل مالية وتصديرية. ومن ناحية ثالثة، تسعى إلى إحلال بديل أكثر تطوراً لمقاتلتها المعروفة باسم «تيمبست»، والتي كشفت عنها للمرة الأولى في معرض فرنبورو الدولي للطيران في يوليو 2018، خصوصاً في ظل تقادم أسطولها المقاتل من طائرات «يوروفايتر» «Eurofighter Typhoon». ومن ناحية رابعة، تحاول من خلال انخراطها في المشروع، إعادة تأكيد صورتها كقوة عسكرية مستقلة ذات استراتيجيات دفاعية وطنية، أقل ارتباطاً بالاستراتيجيات الأمريكية.
أما إيطاليا، فإنها تبحث عن موقع في عالم التصنيع الحربي، يعيد أمجادها الغابرة، ويضعها مجدداً على قدم المساواة مع شركائها الأوروبيين في قائمة مصدري السلاح العالميين، فوجدت في هذا التعاون الثلاثي خير مدخل لذلك، ولطموحات أخرى، مثل استبدال أسطولها المقاتل القديم من طائرات «يورو فايتر»، خصوصاً في ظل ما كشفت عنه الحرب الأوكرانية من ضرورة امتلاك مقاتلات حديثة، قادرة على تحقيق تأثيرات متعددة في بيئة يشتد فيها التنافس بين القوى العظمى.
وطبقاً لما أفصحت عنه الدول الثلاث في بيانات منفصلة، فإن تعاونها يهدف إلى الدمج والاستفادة من كافة الأبحاث العلمية والتقنية التي بدأتها في وقت سابق في مجال القتال الجوي المتقدم، بما في ذلك الأبحاث الخاصة بالطائرات والمسيرات بلا طيار، وتقنيات الذكاء الصناعي، والبدء في المشروع في عام 2025، وصولاً إلى إطلاق المقاتلة المطلوبة، وإدخالها الخدمة الفعلية بحلول عام 2035،
لكن هل الطريق ممهد أمام الدول الثلاث للمضي قدماً في هذا المشروع الطموح؟ الحقيقة أن المصاعب التي قد تبرز، تتمثل أساساً في مسألتي التمويل والمنافسة. فلجهة التمويل، تبدو الالتزامات التي تعهدت بها الدول الثلاث أقل بكثير من المبلغ المطلوب لإنتاج مقاتلة متفوقة وخارقة موثوق بها، الأمر الذي دعا أحد خبراء السلاح اليابانيين إلى اقتراح توسيع إطار الشراكة، بدعوة دول ذات قدرات مالية ضخمة للمشاركة في المشروع.
أما لجهة المنافسة، فإن المقاتلة المقترحة، يتوقع أن تواجه منافسة شديدة في أسواق التصدير العالمية، من قبل مقاتلات أمريكية يجري الآن تطويرها من قبل شركة لوكهيد، صاحبة الخبرة الطويلة في إنتاج الطائرات المقاتلة، باستثمارات حكومية ضخمة، على أن تطرح للبيع بحلول عام 2030، ناهيك عن تنافس متوقع من نظام «FCAS» القتالي الجوي المستقبلي لفرنسا وإسبانيا وألمانيا، وبرنامج «KF – 21» القتالي الجوي لكوريا الجنوبية.