عملاق السينما والمسرح الممثل والمخرج والناقد والأكاديمي الفنان حسين رياض (1897 - 1965)، أشهر من نار على علم، ويعد واحداً من قامات مصر الفنية، ورموزها الكبيرة في شتى القنوات الفنية، ومن أصحاب علامات التميز والإبداع والمهارة والموهبة. لكن تظل هناك تفاصيل كثيرة في حياته ومشواره لا يعرفها الجمهور.
منها مبادراته الخيرية الكثيرة، وحرصه على التمسك ببعض العادات والتقاليد الشعبية الأصيلة، مثل إحياء المواسم الدينية في الأول من رجب، وفي منتصف شعبان، وفي ليلة القدر، وطوال ليالي شهر رمضان، ومنها مساندته لعدد كبير من الفنانين الموهوبين في بداية مشوارهم الفني، إلى حد التهديد باستقالته من العمل المسرحي إذا لم تؤخذ وجهة نظره الداعمة في الاعتبار، على نحو ما حدث يوم أن زكّى الفنان حسن يوسف للانضمام إلى المسرح القومي في أواخر الخمسينيات، ومنها أيضاً أنه كان يعقد بمنزله على مدى سنوات صالوناً ثقافياً، يجمع فيه الشعراء والأدباء والفنانين والمطربين ورجال الصحافة.
أخبرنا الدكتور عمرو دوارة في كتابه «حسين رياض، الفنان صاحب الألف وجه»، أن رياض، الذي جسّد في السينما مختلف الأدوار، مثل دور عبد الواحد الجنايني البسيط في «رد قلبي»، والأب المصري الأصيل من الطبقة المتوسطة في فيلم «في بيتنا رجل»، والأب الأرستقراطي المثالي في «موعد مع السعادة»، والأب القاسي في «أنا حرة»، والأب الروحي في «شارع الحب»، والشيخ الضرير في «واإسلاماه»، والصيدلي صاحب الضمير الحي في «حياة أو موت»، وكبير الياوران في «سلامة في خير»، والرجل الانتهازي الوصولي في «بائعة الخبز»، والخديوي الغارق في الملذات في «ألمظ وعبده الحامولي»، والوزير الفاسد في «شفيقة القبطية»، وزير النساء العربيد في «حياتي هي الثمن»، والزوج المخدوع في «نساء محرمات»، تمنى في أواخر عهد الملك فاروق أن يجسد على الشاشة شخصية باني مصر الحديثة محمد علي باشا، لكن المشروع الذي كان على وشك البدء، والذي كان من المفترض أن يكافأ عليه بلقب البكوية، تم صرف النظر عنه بسبب ثورة 23 يوليو 1952.
وأخبرتنا الفنانة القديرة أمينة رزق، في أحد حواراتها الصحافية، أن رياض كان يرغب في البروز كمطرب مشهور في بدايات حياته، لكنه أسدل الستار على حلمه، بعد تعرضه لحمى شديدة جداً، وإرهاق بسبب العمل المسرحي المتواصل، ما أدى إلى التهاب مزمن في وترين من حباله الصوتية، فظهرت في صوته البحة المشهورة، التي وظفها فنياً في أداء أدواره الخالدة.
ومن المفارقات التي رويت عنه، أنه كان لا يستطيع النوم دون أن يضع كوباً من الماء إلى جواره، ولا يسافر إلا بصحبة زجاجة من مياه الشرب، ولا يصعد على المسرح دون التأكد من وجود كوب من الماء في إحدى الزوايا.
في أسباب هذه العقدة، أخبرنا عمرو دوارة في كتابه المشار إليه، أن رياض كاد أن يفقد حياته حينما سافر صيفاً بالسيارة عبر الصحراء من دمشق إلى حلب، بصحبة المخرج حلمي رفلة، والفنان أحمد علام، حيث تعطلت بهم المركبة، وظلوا سبع ساعات وسط الصحراء، وتحت الشمس الحارقة، دون مياه يروون بها عطشهم.
ومن المفارقات الأخرى، أن فناننا الكبير كان محباً للحيوانات الأليفة، وكان يملك كلباً بوليسياً وفياً، أطلق عليه اسم «رهيب»، وحينما توفي رهيب، حزن حزناً شديداً، إلى درجة أنه هجر منزله، وأقام عدة أسابيع في فندقه المفضل (فندق الكونتيننتال) بميدان الأوبرا، والذي اعتاد أن يلجأ إليه كلما شعر بالإرهاق من عروضه المسرحية الليلية.
إلى ذلك، عُرف عن رياض معايشته للشخصيات الدرامية التي يقوم بتجسيدها بكل وجدانه، حتى إنه أثناء تأديته لدور الزوج المشلول في فيلم «الأسطى حسن» للمخرج صلاح أبوسيف سنة 1952، أصيب بالشلل فعلاً في ذراعه وساقه لمدة يوم كامل. كما عُرف عنه حبه للرياضة، حيث كان من عشاق رفع الأثقال وتنس الطاولة.