جدلٌ كبيرٌ ثار حول ظهور الفنانة المصرية القديرة نجاة الصغيرة، في حفل «جوي أووردز» بالمملكة العربية السعودية قبل أيامٍ.

فريق قال إنه لم يكن من اللائق ظهورها على خشبة المسرح أمام الجمهور، وهي في منتصف العقد التاسع من عمرها، ورأى أنه كان يجب أن تحتفظ بصورتها القديمة في أذهان الناس، وفريق عتب عليها لقبولها التكريم في الخارج، وقال إنه كان يجب أن يتم تكريمها في بلدها مصر.

للفريق الأول نقول، إن الناس عندما تحب أو تُعجَب بفنانٍ أو مبدعٍ، أو أي إنسانٍ، فإنها لا تحبه أو تُعجَب به في مرحلة شبابه لتكرهه عندما يهرم أو يشيخ، لأن الحب والإعجاب غير مرتبطَيْن بمرحلةٍ من مراحل العمر، إذا تجاوزها الإنسان، وتغيّر شكله الخارجي ذهب هذا الحب أو الإعجاب، ونجاة الصغيرة فنانةٌ كبيرةٌ، أحب الناس صوتها وشخصيتها مثلما أحبوا صورتها وشكلها، وهي ما زالت تحتفظ بجمالها الداخلي والخارجي معاً، رغم بلوغها منتصف العقد التاسع من العمر.

أما الفريق الثاني، فنقول له إن تكريم أي فنانٍ أو مبدعٍ في أي بلدٍ عربيٍ، هو تكريمٌ له في بلده، لأن الوطن العربي واحدٌ، لا فرق بين شعوبه، ومثلما مصر وطنٌ لكل العرب، فإن كل البلدان العربية وطنٌ للمصريين، علماً بأن والد الفنانة نجاة محمد حسني البابا كان سورياً، هاجر في شبابه إلى مصر، وأقام فيها حيث وُلِدت هي وأخواتها وإخوتها، وعمها هو الفنان أنور البابا، الذي اشتهر بتقديم شخصية أم كامل في الأعمال الدرامية السورية.

ما لفت نظري أيضاً أن المتجادلين غاب عنهم أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تكريم الفنانة نجاة الصغيرة خارج مصر. فقد تم تكريمها عام 2006 في دولة الإمارات العربية المتحدة، عندما منحها المكتب الثقافي لحميد بن علي العويس، عليه رحمة الله، جائزة (هؤلاء أسعدوا الناس)، في حفلٍ كبيرٍ أقيم في دبي، وهي جائزةٌ استحدثها سلطان بن علي العويس، عليه رحمة الله، عام 1997، خارج إطار جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، التي تمنحها مؤسسته، وجائزة العويس للإبداع، التي تمنحها ندوة الثقافة والعلوم بدبي.

جاءت فكرة الجائزة، كما يذكر الأستاذ عبد الإله عبد القادر، عندما رأى سلطان بن علي العويس، إطلاق مشروعٍ أراد من خلاله ترسيخ وإتمام جوانب تحفيز مختلف أشكال الإبداع، عبر التركيز على تثمين جهود وأعمال الفنانين العرب، الذين زرعوا الأمل في قلوب الناس عبر أعمالهم الفنية، في أغانيهم أو عروضهم المسرحية وأعمالهم السينمائية والتلفزيونية.

وقد رصد، عليه رحمة الله، مبلغاً لهذه الجائزة، وأراد أن يدمجها مع جوائز مؤسسته الثقافية المعروفة، لكنه لم يستطع تنفيذ ذلك، نتيجة اصطدامه مع شروط اللوائح الخاصة بآليات عمل الجوائز وقوانينها الصارمة، فكان المَخرَجُ هو الإعلان عن الجائزة الجديدة عبر مكتبٍ ثقافيٍ تابعٍ له، تم استحداثه بغرض الخروج من هذه الإشكالية، وذلك ليكون الجهة المخوّلة بتوجيه الدعوات والمراسلات للجائزة الجديدة.

جائزة (هؤلاء أسعدوا الناس) كرمت في دورتها الأولى عام 1997 مجموعةً من الفنانين العرب، هم عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج من الكويت، وعادل إمام من مصر، ودريد لحام من سوريا، ولم يعترض أحدٌ على تكريمهم خارج بلدانهم، وكان مقرراً أن تستمر الجائزة، لولا رحيل سلطان بن علي العويس عام 2000، قبل أن يقوم بوضع آليةٍ لاستمراها، فظلت تلك الدورة يتيمةً، إلى أن جاء شقيقه حميد بن علي العويس وأخته السيدة الفاضلة أم علي، فأعادا إحياء الجائزة عام 2006 م، وكرما الفنانة نجاة الصغيرة، وذلك بعد أن استقر الرأي على تكريم فنانٍ واحدٍ فقط في كل دورة.

ولكن يبدو أن رحيل حميد بن علي العويس، رحمه الله، عام 2007، حال دون استمرار الجائزة أيضاً، غير أن عائلة العويس، حفظها الله، باقيةٌ، وربما أعادت الأسرة الكريمة ومؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، إحياء الجائزة مرةً ثانيةً، ووضعت آلية لاستمرارها.

تكريمُ فنانٍ في حياته، سواء تم ذلك في بلده أو خارجه، هو تقديرٌ لعطائه، فهؤلاء المبدعون جديرون بأن نسعدهم مثلما أسعدونا.