دخل أحد سكان القرية غاضباً وهو يوبخ الرسام المعروف لعدم تبرعه لأهالي القرية الفقراء في مجملهم، رغم أنه يبيع لوحاته في المدينة بمبالغ كبيرة، لامه على بخله وأنانيته وعدم اهتمامه بالمحتاجين، وكيف أن الخباز يمنح الخبز مجاناً كل يوم لأهالي القرية، والجزار يوزع لحماً بالمجان أيضاً عليهم، أغلظ له في القول، والرسام ساكت لا يتكلم، فخرج القروي غاضباً وأخبر الأهالي ببرود الرسام وعدم اهتمامه بهم وتعاليه عن الرد، فقرروا مقاطعته تماماً!
تمر الأيام، ويصاب الرسام بمرض شديد، يفتح نافذته وينادي في المارة كي يأتوه بالطبيب، لكن الأهالي الغاضبين يرفضون سماع رجائه لهم، ويتركونه في وحدته ومرضه، حتى مات، ولم يعرف بموته إلا الجزار والخباز اللذان أتيا كعادتهما في أول كل أسبوع لأخذ المال منه مقابل أن يمنحا لحماً وخبزاً للأهالي دون مقابل!
العرب بطبيعتهم عاطفيون، وكثيراً ما يغلّبون مشاعرهم وما تميل لهم نفوسهم على كلام العقل، و«من سبق لبق» عليهم، فإن كانت أول جملة قيلت عن إنسان سيئة تبعه البقية وزادوا «بهارات» من «كيسهم»، حينها سيصدقون أي قول سوء على ذلك الإنسان، وستصبح الشائعة حقيقة و«يقولون» تتحول بقدرة قادر إلى «وصلني من مصادر موثوقة»، وسيجعل من تعزيزه لـ«شيطنة» إنسان أو جهة ما مما يفتخر به ويعده من لوازم الإنسان الحر ولا يبعد أن يعده قربة إلى الله يتقرب بها!
لا أعتقد أن هناك جهة يتم مهاجمتها بوتيرة متصاعدة لا تهدأ مثل دولة الإمارات، فحيثما تواجدت مثل بقية الدول نبزت بتهم التفريق والتأليب.
وحيثما رحلت نسج حولها المرجفون قصصاً في التآمر تجد رواجاً عند الباحثين عن أي شماعة لتحميلها وزر سلبيتهم أو تأخرهم عمن حولهم، والقضية لا تحتاج أكثر من تغريدة «طاعنة» أو مقطع فيديو «مفتئت» أو مفبرك، ثم التأكد من أن أول الردود على المنشور تسير بالاتجاه الناقم أو الحاقد نفسه لضمان أن يسير من يأتي لاحقاً بمسار الردود الأولى نفسه!
تعارض الإمارات بقوة محاولات تمزيق الدول العربية لكيانات أصغر وأضعف من خلال أجندات أجنبية مريبة يتصدر مشهدها مزيج من وصوليين وسماسرة فوضى وبسطاء يحلمون بيوم جميل يريدونه أن يزهر من أرض محروقة وكيان ممزق وشعب متناحر، فتتهم أنها ضد إرادة الشعوب، تقف بجانب شعب مغلوب على أمره ثم تتوقف عندما ترى أن المركب قد قفز لظهره تجار حرب ووكلاء جهات خارجية مارقة فتوصم بأنها متقلبة الهوى، يقيم آخرون معاهدات تطبيع مع كيان تدعمه أمريكا وكل الغرب ومؤسساته الدولية فيتفهم الجميع ذلك ولكن عندما تفعل الإمارات ذات الأمر تقام الدنيا ضدها ولا تقعد، وتمالأ شياطين العرب وأفاقي الدنيا ممن يكتب ويشهر لمن يدفع أكثر، ووجدنا زج اسم الإمارات وحكومتها في كل مشكلات الدنيا، وتنهال معها التحليلات المأجورة .
والتي لا تستطيع الركون إلى أي دليل فعلي ملموس، لكنه الهوى المستند على سلسلة أكاذيب وتلفيقات وخلط بعض الحقائق بكثير من الافتراءات، وتختم تلك بالمقولة المعروفة «هذا ما أكدته لنا مصادر موثوقة»!
في أحداث غزة كشر أولئك عن كل ما يمتلكون من أدوات شيطنة ضد الإمارات، فعندما تخرج الأرقام بأن مساعدات الإمارات بلغت حتى الساعة 7225 طناً من المساعدات التي وصلت لمدينة العريش المصرية ضمن عملية «الفارس الشهم3»، يتندرون وهم يقولون: «أين هي؟
ولماذا لم يصل إلا القليل منها للشعب الفلسطيني المحاصر؟»، يتبادر لذهن العاقل المنصف سؤال في المقابل وهو: «هل تملك الإمارات مفاتيح هذه المعابر!»، تقوم الإمارات بإنشاء مستشفى ميداني متكامل لاستقبال الجرحى والمرضى من القطاع وتسير رحلات جوية عدة لنقل آلاف من المرضى إلى الإمارات للعلاج.
فتأتي الاتهامات بأن المستشفى هو بغرض التجسس ومعالجة المرضى لذر الرماد في العيون، تسارع الإمارات بإنشاء 3 محطات تحلية لمياه البحر بطاقة إجمالية تصل 600 ألف جالون يومياً لإمداد القطاع ولا نسمع من تلك الأصوات إلا مزيداً من اتهامها بعدم اكتراثها بحال أهلها، ما الذي يجب أن تفعله الإمارات حتى يستحي هؤلاء ويتوقفوا عن رغبتهم المحمومة في تأليب الدنيا عليها!
تمر بذهني بعض الخطب العنترية اللواتي سمعناها من متنفذين بدول أكبر مساحة وأقوى جيوشاً وأقرب مسافة لفلسطين من الإمارات، لكن عندما حانت ساعة الاختبار خرست الأصوات و«شحت» الأيدي، لكننا لم نسمع أحداً هاجمهم أو استغرب أن يتمخض الجبل عن فأر مذعور، الأمر الذي يجعل استهداف الإمارات تحديداً أمراً دبر بليل ووافق هوى في قلوب سوداء فأجلبت بخيلها ورجلها عليه، كما يقول مثلنا الشعبي الصائب: «شرود ولاقت محدار»!