يوجين فيكتور دبس (1855 - 1926) المولود في الولاية الأمريكية المحافظة إنديانا وهي نفس ولاية نائب الرئيس الأمريكي السابق مايكل بنس. ولكن دبس كان مختلفاً بشكل كبير حيث لعب دور ناشط سياسي ونقابي وتزعم الحزب الاشتراكي في تلك الولاية. الشاهد في هذا السرد أن في أحد الإضرابات العمالية الذي قام بها دبس خالف فيها أمراً صادراً من المحكمة بوقف الإضراب، وعند عصيانه أمر المحكمة أُلقي عليه القبض وأودع به في السجن، وكان ذلك في العام 1894.
وفي حادثة أخرى اتهم دبس بالعصيان والتمرد والتي تعتبر تهمة خطيرة أدت إلى الحكم بحقه عشر سنوات في العام 1918. ومن زنزانة سجنه ذهب للانتخابات الرئاسية في 1920 نال فيها على أقل من 1 % من الأصوات الشعبية.
ما يهمنا من هذه التواريخ السابقة ما قد يحدث في حالة الرئيس الأمريكي السابق دونالد جي ترامب، والتي قالت عنه مرشحة الحزب الجمهوري نيكي هايلي، المنافسة الوحيدة له، إن الفوضى تحل حيث حل. لكن الرئيس الأمريكي السابق لا يكترث كثيراً حيث يبدو أنه حسم الانتخابات الأولية لصالحة بعد فوزه بولايتين وانسحاب كل المنافسين له عدا السابقة الذكر. وسيكون المرشح للحزب الجمهوري ما لم تحصل مفاجأة غير متوقعة.
يواجه ترامب عدة تهم قد تؤدي إلى إدانته وحبسه، وخاصة تهمة العصيان والتمرد بسبب التحريض الذي قام به في السادس من يناير 2021، وأدى إلى هجوم من قبل أنصاره على مبنى الكونغرس. وتهمة العصيان والتمرد هي نفس التهمة التي أدت بدبس إلى السجن قبل قرن تقريباً.
ولكن السجن لم يمنع دبس من أن يترشح للرئاسة في 1920. وعلى ما يبدو أن التهم والإدانة وحتى السجن لن تمنع الرئيس السابق من أن يذهب إلى الانتخابات الرئاسية. ولكن الشيء غير المجرب أن ينجح مجرم مدان أو سجين من الفوز بمقعد الرئاسة.
الدستور الأمريكي غير واضح في هذه الجزئية. يشير الخبراء الدستوريون إلى أن متطلبات الرئاسة الأمريكية قليلة وهي أن يكون المرشح مولوداً في الولايات المتحدة ويبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً. ولكن في نفس الوقت هناك التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي والذي يمنع كل من اشترك في عصيان أو تمرد بعد أن أقسم على الدستور من تبوؤ أي منصب مدني أو عسكري على المستوى الاتحادي أو على مستوى الولايات.
ولتفعيل هذه المادة ضد الرئيس السابق يتطلب من المحاكم أن تجزم بأن ما قام به الرئيس الأمريكي السابق في 6 يناير يصل إلى الدعوة للعصيان والتمرد. وما سيفعله محامو ترامب هو الذهاب إلى المحاكم لإبطال تهم التحريض. وسيستأنف محامو الرئيس السابق إلى أن تصل القضية إلى المحكمة العليا والتي تبت في القضايا الدستورية. والمحكمة العليا منحازة إلى اليمين حيث إن ثلثهم عينوا من قبل ترامب نفسه والثلث الثاني من يمين الوسط المحافظ والثلث الأخير من القضاة الليبراليين.
وإذا ما وصلت إلى المحكمة العليا فإن احتمال حكمها لصالح ترامب كبير بسبب التكوين الحالي للمحكمة، كما حصل في انتخابات 2000 وصوتت لصالح جورج بوش الابن ضد آل جور المرشح الديمقراطي.
وهنا تكمن المشكلة، إذ لا يمنع الدستور والقوانين شخصاً مداناً أو قابعاً في السجن من الترشح لمنصب الرئيس. ماذا لو نجح ترامب في الانتخابات وهو مدان أو مسجون؟ ففي هذه الحالة سيطالب أنصاره بمنحه حقه في الرئاسة. وسيرفض آخرون السماح لمن ارتكب جرماً مثل التمرد والعصيان بأن يصبح رئيساً للولايات المتحدة. سابقة ليس لها مثيل في الولايات المتحدة، وتبشر بأزمة دستورية من العيار الثقيل.
على الأرجح أن أنصار ترامب لن يقبلوا حتى بحكم المحاكم إذا لم يكن لمصلحة مرشحهم. بل قد تشتعل مواجهات غير محسوبة العواقب. حسابات سياسية ستدخل في ذهن كل من ينظر للقضية حتى القضاة. وَلكُل شيءٍ آفَة من جنسه... حَتَّى الْحَدِيد سَطَا عَلَيْهِ المِبرد!