أوائل السبعينيات، قامت بعثة من نادي أهلي دبي بزيارة إلى دولة الكويت، بالاتفاق مع نادي الأحمدي، لعب فريق كرة القدم خلالها مباراتين وديتين مع ناديي العربي والأحمدي، وكنت مرافقاً صحفياً للبعثة، أمثل مجلة «الأهلي» التي صدر العدد الأول منها في شهر سبتمبر 1972م، ونَشَرْتُ تقريراً مفصلاً عن الزيارة في المجلة وقتها.

في تلك الأيام كانت أغلب الأندية تطلق على نفسها اسم النادي الرياضي الثقافي، وكان بعض الأندية يجعل كلمة (الثقافي) تسبق (الرياضي). وقبل أيام رأيت في إحدى مجموعات «الواتس آب» قراراً وزارياً صادراً بعد قيام الدولة بسنتين تقريباً، فيه قائمةٌ بأسماء الأندية وقتها، لا يكاد اسم نادٍ منها يشذّ عن هذه القاعدة.

كانت الأندية وقتها تصدر مجلاتٍ تتناول موضوعاتٍ اجتماعيةً وثقافيةً وسياسيةً، ولا تتطرق للرياضة إلا قليلاً أو نادراً. من هذه المجلات على سبيل المثال لا الحصر؛ الأهلي والشباب والنصر والوصل، التي كانت تصدر باسم النجاح ثم تغير اسمها بعد دمج نادي النجاح مع نادي العروبة، ولديّ بعض أعداد هذه المجلات التي عندما أتصفحها اليوم تبهرني بطرحها لجميع الموضوعات والقضايا بشفافية عالية، وبالحوارات والمساجلات التي كانت تجري على صفحاتها.

هذه المرحلة من تاريخ الصحافة في الإمارات لم تُوثَّق حتى الآن، رغم أنها تزخر بمطبوعاتٍ وإصداراتٍ كثيرةٍ، وبأقلامٍ اختفى أغلبها من الساحة بتوقف هذه المجلات، كما اختفت صفة (الثقافي) التي كانت تلتصق بأسماء الأندية، ولم يعد هناك نادٍ يهتم بالثقافة، أو ينظم نشاطاً ثقافياً كما كانت الأندية تفعل سابقاً.

أعود إلى زيارة النادي الأهلي للكويت، التي تحضرني ذكرياتٌ عديدةٌ منها، فقد استضافت إدارة نادي الأحمدي البعثة في «بيت الخليج» التابع لشركة نفط الكويت، ويبدو أن نظام بيت الضيافة هذا كان مستمداً من تقاليد وطقوس موظفي شركات النفط البريطانية، ففي اليوم الأول لوصولنا وجدنا العاملين في البيت يطرقون أبواب غرفنا في تمام الساعة الخامسة عصراً ليقدموا لنا شاياً وقطعة بسكويت.

اعتقدنا في البداية أن هذا من تقاليد ضيافة اليوم الأول، لكنه تكرر في الأيام التالية، وحتى آخر يوم من إقامتنا في «بيت الخليج».

هكذا أصبحنا نمارس الطقس الإنجليزي الذي بدأ في أربعينيات القرن التاسع عشر، والذي يقال إن آنا ماريا راسل، دوقة بيدفورد، وكانت الصديقة المقربة للملكة فكتوريا، هي أول من أنشأه بينما كانت تزور الدوق الخامس لرتلاند في قصر بلفور.

ففي ذلك الوقت كان موعد تقديم العشاء يتم بين الساعة الـسابعة والثامنة والنصف مساء، وكانت الوجبتان الرسميتان هما الإفطار والعشاء فقط، وقد تم إضافة وجبة الغداء لاحقاً نظراً لطول الوقت بين وجبتي الإفطار والعشاء، وكانت وجبة الغداء خفيفةً حينها، فكان الناس يشعرون بالجوع بين وجبتي الغداء والعشاء. لهذا قررت الدوقة أن توجد وجبةً صغيرةً تكون بعد الظهيرة، أي بعد الغداء وقبل العشاء، سُمِّيتْ بشاي بعد الظهيرة، وكانت الوجبة تتكون من الشاي مع الكيك والشطائر.

وسرعان ما انتشرت الوجبة الجديدة في المجتمع البريطاني بمختلف طبقاته، ثم انتقلت خارج بريطانيا حتى وصلت إلينا في «بيت الخليج» التابع لشركة نفط الكويت، ونحن نحلّ ضيوفاً على الزملاء في نادي الأحمدي.

فكرة الاسترخاء والاستمتاع بشاي الساعة الخامسة واردةٌ، لكنّ الاسترخاء والاستمتاع ليسا وحدهما ما تحققه هذه الساعة، وإنما تُعيد شحن ذهن الإنسان بعد ما بذله من جهد خلال النصف الأول من اليوم، وتزوده بطاقة جديدة لاستئناف ما تبقى من أنشطة. هذا ما تقوله الأبحاث التي تناولت هذه الساعة، لكنّ الشاعرة الكويتية سعاد الصباح حوّلت شاي الساعة الخامسة إلى قَدَرٍ مكتوبٍ على جبينها، في قصيدتها التي حملت الاسم نفسه، عندما قالت:

أصبح شايُ الساعةِ الخامسةِ معَكْ

قَدَراً مكتوباً على جبيني

يلاحقني حيثما كنتُ

في بريطانيا.. أو في ماليزيا

في أمريكا.. أو في جزرِ الكاريبي

في الأرضِ، أو في السماء

في هذا العالَمِ..

أو في العالَمِ الافتراضيّ

الذي أخترِعُه على دفاتري عندما أكون وحيدةً

تُرى، هل ما زال تقليد شاي الساعة الخامسة قائماً، أم أنه زال مع أفول شمس الإمبراطورية البريطانية؟