بشكل يومي وبخطابات مشكلة ملونة لا مرئية تعترضنا من الخارج وتفرض نفسها على الذات كما لو أنها رغبة داخلية.
ينبغي علينا أن نفكك ونعيد بناء ذواتنا باستمرار كي نميز بين ما نريده وبين ما تم إيهامنا أننا نريده.
وبين ما نستهلكه وبين ما تم إيهامنا بأننا يجب أن نحتاجه، ثمّة قدرة في التسويق المعاصر، قائمة على نظريات في علم النفس وعلم اقتصاديات السلوك أن تفرض عليك حاجة وتفرض عليك المنتج الذي يشب هذه الحاجة ثم تتحوّل هذه الحاجة إلى ضرورة.
مشكلة هيمنة النيوليبرالية على العالم اليوم، هي أنها تلغي المسافة الفاصلة بين «الذات» و«المعروض في السوق»، لدرجة أنك تعجز عن فهم ذاتك، بدون استهلاكك للمعروض، ولدرجة أنك تنسى كيف كنت تعيش، قبل أن تستهلك كل هذه المنتجات.
في عائلتي مثلاً منذ زمن بعيد لم تكن السعادة أمراً ذي بال. سيندهش أجدادي لو عرفوا أن الناس في الواقع ينفقون أموالهم في الشراء للتغلب على تعاستهم.
فالحياة بالنسبة إليهم مؤلمة بطبيعتها والراحة والرفاهية كلام فارغ. وأما الارتياح فيتأتى من إنجاز الأشياء الصحيحة، من العائلة والكرامة والخدمة والتعليم والصبر، وكانت الحياة بزمنهم جودتها أعظم وأعلى، وأما بزمن مثل زماننا تشتتنا بكثرة الدخائل التي أدخلت لنا أوهاماً تباع بثمن بخس لترضي وتشبع النقص الذي بداخلنا.
خطوط فارقة وواضحة عليك تتبعها لتفهم ما أنت تريده حقاً حاجة حقيقية من صلب شخصيتك تضيف لك قيمة طويلة المدى والأثر.
وحاجة تفرضها عليك النفس كتابعٍ يود إثبات عصريته، الهشاشة التي وصلنا لها مع التقدم والتطور الكبير والمغريات التي عبث بميزان العقلانية وسيطرة الفطرة الغرائزية شكلت بنا شخصية تلهث وراء تحقيق الذات من خلال الشراء خلف وهم رسم في مخيلتنا بأنها سوف تحقق لنا السعادة المرجوة والمطلوبة وأنها ستزيح عنا غمامة التعاسة والشعور بالنقص، إلا أنها في الحقيقة مؤقتة مشروطة ومتبوعة بالوقت حتى تأتينا لحظة إدراك مؤلمة «لم تكن تلك الحاجة التي تحقق ما تطلبه ذاتي وينقصها».
الحياة تمتحننا وأنت وحدك من يخوض هذا المشهد، عليك أن تدرك قيمة الأشياء وحقيقتها، بين المعروض والذي يدعوك ويقنعك لاستهلاكه وبين ما هو مطلوب عليك كحاجة أساسية، فالحياة لا يمكن الاستغناء عنها، وتحقق لك المرجو منها ومستديمة الأثر والبقاء.