«سقطت شجرةٌ فسمع الكل صوت سقوطها، بينما تنمو غابةٌ كاملةٌ ولا يُسمَع لها أيُّ ضجيج، فالناس لا يلتفتون لتميزك».
هذه مقولة ترتقي إلى مستوى الحكمة، نستطيع أن نضعها مقياساً لما نراه يحدث في زمننا هذا، وهي تكاد تتشابه مع العبارة التي تقول إن «الأواني الفارغة تحدث ضجيجاً أكثر من الأواني الممتلئة».
ما يحدث هذه الأيام من ارتفاع صوت الأواني الفارغة يدعونا إلى إعادة النظر في الكثير مما كنا نعتقد أنه مسلّماتٌ لا يمكن أن يرقى إليها الشك بأي شكلٍ من الأشكال مهما تبدلت الأحوال.
نحن شعبٌ تربّى على مجموعةٍ من القيم الأخلاقية العليا، والمبادئ الراسخة التي لا يمكن أن تتسلل إليها ذرةٌ من غبارٍ تعكر صفوها ونقاءها وتُفسِد معدنها الطيب، فما الذي حدث كي نعيش زمناً ملوث الهواء، يتطاير غباره هنا وهناك، وتزكم رائحته الأنوف، وتنطلق شظاياه من كل حدبٍ وصوبٍ لتصيب النفوس النقيّة بجروحٍ من الصعب أن تُمحى آثارها وتُزال خدوشها؟
إنها ليست دورة الزمن، فالزمن عندما يدور لا يقلب الوجوه رأساً على عقبٍ ليظهر الجوانب القبيحة منها، ولا يغير القلوب ليخرج الدم الأسود منها، ولا يكسر قالب الثوابت لتتسرب المعاني الجميلة منها. الزمن حين يدور يعطي دروساً مفيدةً، لكنه لا يغرس خناجر في الظهور، تعبّر عن الغدر والخِسّة والفجور.
ما يحدث مختلفٌ تماماً، هو أعمق من نظرية المؤامرة التي روّج لها كثيرون على مدى عقودٍ من الزمن أصبح من الصعب علينا عدّها، بل أصبح من السخف عدّها بعد أن غدت جزءاً من الحياة التي نعيشها، ومن الواقع الذي يصعب أن نتآلف معه.
إنها ليست مجرد أصواتٍ هذه التي تنعق هنا وهناك، ولكنها سهامٌ مسمومةٌ تصيب من أمتنا مقتلاً في واحدٍ من أهم مقومات بقائها واستمرارها، تصيب مقتلاً في لُحمتها ووحدتها وتماسك بنيانها الذي هو آخذٌ في التهاوي، ليس من الخارج فقط بسبب ضربات الأعداء، وإنما من الداخل أيضاً بسبب النيران غير الصديقة التي تنطلق هنا وهناك لتصيب من تصيب دون تفرقةٍ أو تدقيقٍ.
تحضرني هنا تدوينة لمعالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، على منصة التواصل الاجتماعي X التي تشكل رسالةً واضحةً لا لبس فيها ولا غموض، حيث يقول معاليه:
«في عالمنا العربي هناك من يرى في نموذج الإمارات تجربةً ناجحةً يسترشد بها، أو يٌستفاد من بعض محاورها، وهناك من يريد التهرب من إخفاقاته وإحباطاته وتحميلنا مسؤليتها».
ويضيف: «الإمارات ماضيةٌ في طريقها، وكل الشكر لمن يغبطنا، ولن نلتفت لمن لا يجرؤ على مواجهة مشاغله وتحدياته بمنهجيةٍ عقلانيةٍ وواقعيةٍ».
كما تحضرني تدوينة معاليه السابقة على المنصة نفسها:
«الاستهداف الإعلامي الذي تتعرض له الإمارات لن يزيدنا إلا ثقةً وثباتاً، وسنبقى مصدر اعتدالٍ، ومستمرون في بناء وتعزيز نموذجٍ جاذبٍ للتنمية والاستقرار. سنسعى مع الأشقاء والأصدقاء نحو حلولٍ سياسيةٍ لأزمات المنطقة. قناعتنا راسخةٌ، وتضليلهم سيذهب هباءً منثوراً».
نتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت إلى الذين يطلقون نيرانهم غير الصديقة على الإمارات ودول الاعتدال العربية، زاعمين أنهم أصدقاء يسدون النصيحة، فالنصيحة الملغومة التي تُسدى في العلن ليست نصيحةً، كما قالت العرب، عندما لم تكن هناك وسائلُ إعلامٍ موجَّهةٌ ومغرضةٌ، ولا وسائط اتصالٍ تفرّق ولا تجمّع، تعمل على الهدم، وتبني جدراناً من الكراهية بين أبناء الأمة الواحدة.
الإمارات ودول الاعتدال العربية تقدم نموذجاً فريداً في العمل الإيجابي الذي يتعامل مع الواقع بعقلانيةٍ وهدوءٍ وصدقِ نيةٍ، بينما يسعى الغوغاء إلى الإساءة والتشويه والاصطياد في المياه العكرة انسياقاً لأجنداتٍ خارجيةٍ خبيثةٍ، ينفذونها فيتحمس لها أولئك الشعبويون الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويعتقدون أنهم على الطريق الصحيح سائرون.
سوف تبقى الإمارات ودول الاعتدال العربية ثابتةً على مواقفها المبدئية القائمة على تحقيق مصالح الأمة العربية وأهدافها العليا، حتى يأتي زمنٌ يعرف فيه الجميع من يعمل لصالح الأمة، ومن يفضل مصلحته الخاصة على مصلحة الأمة. عندها ستنكشف كل النيران غير الصديقة ويلحق بها العار فتصمت.