يروي ابن الجوزي - في كتابه (تلبيس إبليس) أن عبدالله بن أحمد بن حنبل سأل والده الإمام أحمد عن سر كثرة دعائه لرجلٍ بعينه عرف أنه لص فأجابه: «لـمّا مَدَدْتُ يديّ إلى العُقاب وأخرِجتُ للسياط، إذا أنا بإنسانٍ يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي: تعرفني؟ قلت: لا، قال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، مكتوبٌ في ديوان أمير المؤمنين أني ضُربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرتُ في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين»!
يورِد لنا أبو سعد الآبي هو الآخر في كتابه (نثر الدر) بأن أحد كبار اللصوص والشطّار في بغداد والملقّب بالخيّاط قال عن نفسه: «ما سرقتُ جاراً قطُّ ولو كان عدواً، ولا سرقتُ كريماً وأنا أعرفه، ولا خُنْتُ مَن خانني، ولا كافأتُ غَدْراً بِغَدْر»، فحتى اللصوص كان لديهم مروءة وأخلاق لا يتنازلون عنها، ومهما بلغوا من السوء إلا أنهم يقفون مع الخير عندما يكون في محطته الأخيرة، وإنْ أساءوا لم يجعلوها ضد الكريم والجار والشريف، وتأبى نفوسهم أن يكون الغدر شيمةً لها وإن غدر فيهم من غدر!
تتقاطر حبات الماء من الوجوه المتوضئة وتدلف إلى مسجد في بلدٍ بعيد لتصطف فيه وقد وجّهت نواصيها لبارئها سبحانه، تعلو تكبيرة الإمام وتعم السكينة، لتنسلّ يد جبانٍ غادرة، قد قاسمهم كل شيء وأحْسنوا إليه كما لم يُحسِن إليه أهله، يُشهر بندقيته في بيت الله، ويطلق غِلَّ قلبه الأسود برصاص أردى فيه من أردى وجرح من جرح، لترتفع أرواح الشهداء من خير مكان وفي خير عمل، ويبوء الغادر بسوء صنيع لم يسبقه إليه إلا أسياده من خوارج «القاعدة» وعُشّاق قتل المصلين دوماً!
أعمارناً مُقدّرة وأيام رحيلنا من هذه الدنيا مُقدّرة، لا تنفعك فيها «لو» ولا يغيّر موعد يومك تحذير أو حذر، قال تعالى: ﴿ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، ومَن صَعَدَتْ روحه نحسبه شهيداً بإذن الله ولا نُزكّي على الله أحداً، ومَن قَتَلَهُم وهم في أرضِ غُربة وفي بيت من بيوت الله لن يُطهّر جُرمه ماء القطْر، ولن يساوي الغادر في غدره إلا أولئك الذين يُزيفون الحقائق ويخرجون الحديث عن مساره وكأنهم يبررون غدر الدنيء!
«لماذا كانوا بالصومال أصلاً؟»، هكذا يقول بعضهم متهكماً، فيصفق له أمثاله مِن سَقَط المتاع، وكأنهم يقولون إنهم يستحقون ما حدث لأنهم في بلدٍ غير بلدهم وما داموا من العسكر فإن وجودهم مريب، ولو تركوا «دلاختهم» التي يظنونها ذكاءً ولوذعيةً وبحثوا قليلاً في الإنترنت لوجدوا أنّ الوحدات العسكرية والإغاثية الإماراتية تتواجد في الصومال الشقيق بناءً على طلب «رسمي» من الحكومة الصومالية «الرسمية»، وتم توقيع هذه الاتفاقية بشكلٍ «رسمي» بداية العام الماضي بحضور وزير الدفاع الصومالي «الرسمي» في أبوظبي للتعاون العسكري والأمني بعد أن اجتاح تنظيم حركة الشباب الإرهابي البلاد وفقدت الحكومة مساحات شاسعة أمام طوفان هذا التنظيم المتصل بـ«القاعدة» والتي بيّنت أن سقوط البلد بكامله هي مسألة وقت لا أكثر!
بموجب هذه الاتفاقية وبتنسيق كامل مع الحكومة الصومالية قامت الإمارات بدفع مجلس الأمن لرفع حظر التسليح عن الحكومة الصومالية والمفروض منذ عام 1992، وتم تمويل بناء وتشغيل مراكز تدريب ومستشفى ميداني، بالإضافة لتدريب وتسليح ودفع رواتب 3 آلاف عسكري صومالي من قوات الشرطة لتعزيز الأمن في العاصمة مقديشو، ودفعت رواتب أكثر من 2400 جندي من القوات الصومالية التي قامت بتدريبها، وموّلت ابتعاث قوات صومالية خارج البلاد للتدريب لزيادة كفاءتها القتالية، وتم عمل تأهيل عالي لخمس كتائب من الجيش الصومالي، الأمر الذي أدّى إلى تحقيق انتصارات متتالية على تنظيم حركة الشباب الإرهابي واستعادة مساحات كبيرة من الأراضي منه.
هذه النقاط يستميت أعداء الإمارات لإخفائها، ويملأون وسائل التواصل بسيل جارف من الأكاذيب في سياق متصل من محاولات شيطنة الإمارات، ويصفق خلفهم ويعيد أكاذيبهم وتلفيقاتهم الفارغون ومن يتبع كل ناعق، فالإمارات يخوض معها خصومها «المختبئون» دوماً حرباً دنيئة، عمادها الكذب ودليلها التزوير وبرهانها التلفيق، وما دام المدافعون عن الحقيقة قِلّة سيبقى صوت الباطل عالياً.. باطلٌ لا يملك شرف الخصومة ولا يحمل حتى مروءة اللصوص!