تتردد علينا يومياً أو بين وقت وآخر الكثير من الكلمات والمصطلحات، التي بات تداولها يشير إلى فئة، ويحدد أناساً بفعل ما، ورغم أن هذا المصطلح قد لا يكون في مكانه الصحيح أو لم يستخدم وفق معناه الحقيقي، أو يتم إسقاطه على حالة لا تنطبق عليه، إلا أنه ورغم مثل هذا الخطأ فإن التعارف على صحته بات سمة واضحة وقوية، أستحضر هنا كلمة مثقف أو ثقافة، كشاهد ودلالة في هذا السياق، حيث تستخدم في مواضع لا تعبر عنها، وبتنا نطلق هذه الكلمة على الكثير من الناس دون أي تفريق أو معرفة لمعناها الحقيقي، وكما هو معروف تحمل هذه المفردة معنى علمياً، تم دراسته، وتم وضع الكثير من التعاريف حولها، مثلما جاء في معجم اللغة العربية المعاصر أن الثقافة: «العلوم والمعارف التي يدركها الفرد، ومجموع ما توصلت إليه أمة أو بلد في مختلف الحقول من أدب وفكر وعلم وفن وصناعة، بهدف استنارة الذهن»، وقيل أيضاً هي: «الرقي في الأفكار النظرية، ويشمل ذلك الرقي في القانون والفنون والسياسة والتاريخ والأخلاق والسلوك...»، وكما قال الدكتور حنا عيسى، في مقالة تحت عنوان: الثقافة، عقائد وقيم رقي المجتمعات: «يمكن استخدام كلمة ثقافة للتعبير عن أحد المعاني الآتية: تذوق الفنون الجميلة والعلوم الإنسانية بامتياز، وهو ما يطلق عليه أيضاً الثقافة عالية المستوى، والمعرفة البشرية والاعتقادات والسلوك الفردي، الذي يعتمد على قدرة الفرد على التفكير والتعلم الاجتماعي بطريقة سليمة، ومجموعة من الاتجاهات والقيم والأهداف، التي تميز مؤسسة أو منظمة جماعية معينة».

وهكذا نجد هذه الكلمة ملقاة في كل مكان والسبب مرونتها في التكيف مع كل حالة نريد وصفها، لكن يبقى جوهرها ومعناها العميق بعيدا كليا عن مثل تلك الإشارات أو التسميات. من هنا نضع اليد على حقيقة جوهرية تتعلق بالثقافة وهي استقلاليتها وبعدها التام عن أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع مثل مؤسسة التعليم أيا كانت المراحل التعليمية ثانوية أو عالية فإن الثقافة تبقى على مسافة منها وكأنها تقول بأن لها دور تنويري للإنسان يختلف عن المدرسة أو المؤسسة التعليمية بصفة عامة، سنجد ملمح عن هذا في كثير من الكلمات والآراء العلمية للبعض من العلماء أمثال عالم الفيزياء الشهير البرت أينشتاين، الذي قال: «الثقافة هي ما يبقى بعد أن تنسى كل ما تعلمته في المدرسة».

ومثل الكاتب والمؤلف مارك توين، الذي قال: «الثقافة هي كل ما لم نحصل عليه بالتعليم». ويتقاطع مع هذا القول المثل الفرنسي: «الثقافة هي ما نتذكره بعد نسيان كل شيء».

لذا قد يقال بأن هذا متعلم، لكن قد لا يقال بأنه مثقف، وبالتالي ليس بالضرورة كل من تحصّل على شهادة عليا يمكن تسميته بالمثقف، لأنك قد تجد من لم يحصل على شهادة علمية لكنه يملك حصيلة معرفية واسعة تضعه ضمن كوكبة المثقفين، وهذا يقودنا لرؤية من اشتغل مع المعلومات والمعارف ونتفق بأنه مثقف، كيف يرى الثقافة وما هو تعريفه لها وهو الأديب الراحل نجيب محفوظ، الذي يضع تعريفه الخاص فيقول: «الثقافة أن تعرف نفسك، أن تعرف الناس، أن تعرف الأشياء والعلاقات، ونتيجة لذلك ستحسن التصرف فيم يلم بك من أطوار الحياة».

وتبقى الثقافة من أهم أدوات الإبداع والتميز، وهي دون أدنى شك رفيقة كل مبتكر، وهذا ليس في مجال حياتي محدد مثل الكتابة والتأليف، بل هي في مختلف مجالات الحياة مهما كان توجهك ورغبتك وقدراتك.. وكما قال الفيلسوف والروائي والمفكر والناقد الفرنسي أندريه مالرو: «الثقافة والمعرفة فأس نحفر به أفكارنا».

وأستحضر هنا الصرخة التي قالها قبل نحو سبعين عاما الكاتب المسرحي والمؤلف الشهير الراحل جورج برنارد شو، عندما قال:«انتبه.. فإن ادعاء المعرفة أشد خطراً من الجهل». وأقول: انتبه.. فإن ادعاء الثقافة أشد خطرا من الجهل!...