يشهد العالم في الوقت الراهن تنافساً شرساً حول تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التي يتفق الكثيرون أنها ستشكل مستقبل المشهد الاقتصادي العالمي، ولا سيما في ظل النمو السريع لسوق الذكاء الاصطناعي عالمياً، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن حجم هذا السوق سيبلغ نحو 1.6 تريليون دولار في عام 2030 مقارنة بنحو 165 مليار دولار عام 2023، فيما ذهبت تقديرات أخرى إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث توقعت أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي إلى نحو 15 تريليون دولار بحلول العام 2030.
وتطرح التطورات الراهنة في مجال الذكاء الاصطناعي تساؤلات مهمة بالنسبة لتأثيرها على المستقبل البشري، وهي تساؤلات ذات شقين، الأول يتعلق بكيفية استثمار هذا المجال الصاعد في تطوير مختلف مجالات التطور البشري وتعزيز رفاهية الإنسان وتحسين جودة حياته.
والشق الثاني يتعلق بالأبعاد الأخلاقية والسلوكية لهذه التكنولوجيا وتأثيراتها السلبية المحتملة. وبالنسبة للشق الأول فلم يعد هناك خلاف عليه، ولا سيما بعدما اخترقت تقنيات الذكاء الاصطناعي مختلف مجالات الحياة ضمن إطار الثورة الرقمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم، بداية من مجالات التعليم والصحة والاقتصاد، وصولاً إلى مجال التكنولوجيات العسكرية المتطورة وتكنولوجيات الفضاء.
أما الشق الثاني فيحظى بالاهتمام الأوسع ضمن النقاشات العالمية الراهنة لهذه التقنيات ويقع في صلب الدعوات المنادية بضرورة حوكمة الذكاء الاصطناعي لمنع إساءة استغلاله ووضع ضوابط واضحة لهذه التقنيات.
ولا تتعلق المخاوف فقط بإساءة استغلال هذه التقنيات أو أبعادها الأخلاقية وتأثيراتها السلبية المحتملة على قطاع مهم من الوظائف المعرضة للإحلال، بل تصل إلى حد الخوف على مستقبل الجنس البشري ذاته، ولا سيما بعدما حصلت شركته «نورالينك»، التي تتبع إيلون ماسك، مؤخراً على ترخيص من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية يسمح لها بإجراء اختبارات على الإنسان، والبدء في زرع شرائح إلكترونية في أدمغة بعض البشر، في إطار خطة «تشبيك الأدمغة مع الآلات»، حيث طرح الخبراء في هذه المجالات العديد من المخاوف من بينها إمكانيات اختراق هذه الشرائح الإلكترونية من قبل جهات معادية أو منافسة لدفع البشر للإضرار بأنفسهم.
وبصرف النظر عن مدى موضوعية هذه المخاوف أو احتماليتها فإن الأمر الذي لا شك فيه هو أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ماضية في مسارها التطوري ولن تقف، ومن غير المعلوم المدى الذي يمكن أن تصل إليه، وهو ما يفرض التحرك في مجالين، الأول يتعلق بضرورة الإسراع بجهود حوكمة هذا المجال، وهو ما كان أحد محاور النقاش المهمة في القمة العالمية للحكومات التي احتضنتها دبي أخيراً. والمسار الثاني هو الانضمام للركب العالمي وعدم التخلف عن المسار.
وتبرز هنا بصورة خاصة الجهود الكبيرة التي تقوم بها دولة الإمارات في تطوير هذه التكنولوجيا من خلال تبني العديد من السياسات والاستراتيجية التي تستهدف تطوير وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهدافها المستقبلية الطموحة، ومن ذلك: إطلاق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي في أكتوبر 2017، واستراتيجية الإمارات للاقتصاد الرقمي، والبرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي، وتشكيل مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي والبلوك تشين عام 2018، والذي تم تحديث هيكله عام 2021، بهدف الإشراف على تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الدوائر الحكومية وقطاع التعليم، وتأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي.
وتم تتويج هذه الخطوات بإصدار صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، قانوناً بإنشاء مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة ليكون هذا المجلس مسؤولاً عن تطوير وتنفيذ السياسات والاستراتيجيات المرتبطة بتقنيات واستثمارات وأبحاث الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في أبوظبي.