خلال معظم سنوات العقدين الأول والثاني من الألفية بدا الاقتصاد الفيتنامي متألقاً، بل عد من الاقتصادات الآسيوية الناهضة التي قد تتفوق على اقتصادات شريكاتها في رابطة «آسيان».

لكن جائحة كورونا تسببت في تراجعه خلال الأعوام 2019، 2020، و2021، حيث انخفضت الصادرات بنسبة 4.4 % إلى 355.5 مليار دولار (مثلاً انخفضت صادرات القهوة وهي سلعة التصدير الرئيسية بنسبة 9.6 %، وانخفضت صادرات الهواتف الذكية التي تعد أكبر مصدر للعملة الأجنبية بنسبة 8.3 %).

بعد إزالة كافة إجراءات الإغلاق الوبائي عام 2022 عاد الاقتصاد بأداء قوي بدليل نمو الناتج المحلي بنحو 8 %. وفي عام 2023 كانت هانوي تأمل في أن يؤدي انتعاش الاقتصاد العالمي، ولا سيما اقتصاد جارتها الصينية، إلى تحقيق مستويات نمو مرتفعة في قطاع التصدير (مرتكز اقتصاد البلاد) وقطاع السياحة والخدمات، وبما يبقي معدل النمو على حاله (8 %)، هذا علماً أن قطاع السياحة حقق في عام 2023 نمواً بمقدار 50 % لكن هذا لم يكن كافياً لتعويض النقص في قطاع التصنيع الموجه للتصدير.

وهكذا فإن ما حدث كان مخيباً للآمال، إذ إن الطلب على الصادرات الفيتنامية بقي ضعيفاً، بل انخفض بنسبة 5.7 % بفعل بقاء الاقتصاد العالمي في حالة انكماش، ناهيك عن تراجع الاقتصاد الصيني لأسباب هيكلية داخلية. ولعل هذا ما دفع رئيس الحكومة الفيتنامية للقول إن طموح بلاده الآن هو تحقيق نمو بنسبة 5 %.

والحقيقة أن المشاكل التي اعترت وتعتري الاقتصاد الفيتنامي ليست كلها بفعل عوامل خارجية، وإنما هناك عوامل داخلية أسهمت في تباطؤ نموه، ومنها العوامل المرتبطة بإمدادات الطاقة الكهربائية والتي أسهمت بدورها في تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 2.5 %.

والمعلوم أن الطاقة الكهربائية تديرها الدولة كمرفق عام، وكانت هناك قدرة توليد زائدة، ولكن نقص الفحم، معطوفاً على مشاكل ذات صلة بالنقل والصيانة، أدى في مجمله إلى نقص الكهرباء. ومن هنا قيل إن التخطيط لتحسين وسائل وخطوط النقل سوف يسمح باستخدام الكهرباء المتجددة من وسط البلاد، حيث موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح متاحة. ومن جهة أخرى قد يلعب هذا دوراً مهماً لصالح البلاد في حال ارتفعت أسعار الوقود جراء نقصها في أوروبا، أو في حال موجة جفاف في منطقة الهند الصينية يمنع اللجوء إلى الطاقة الكهرومائية.

ومن العوامل الداخلية الأخرى، مشاكل في القطاع العقاري من تلك التي أثرت على الاستثمار والثقة والسيولة المصرفية، ما أدى إلى أن تواجه شركات التطوير العقاري صعوبات في السداد. هذا عدا عن مشاكل متعلقة بحالة القطاع الخاص الضعيف نسبياً (لا يسهم القطاع الخاص الفيتنامي في الناتج المحلي الإجمالي إلا بنسبة 11 % وهذه نسبة قليلة إذا ما قارناها بمثيلها في تايلاند، حيث الرقم 30 %)، وحالة الأيدي العاملة التي لئن كانت رخيصة إلا أنها تفتقر إلى المهارة اللازمة التي تتطلبها شركات استثمارية نقلت أعمالها إلى فيتنام من الصين مثلاً، وهو ما أثر سلباً على قدوم المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

صحيح أن الولايات المتحدة وقعت مع فيتنام مؤخراً على اتفاقية تقوم بموجبها الأولى برفع مستوى علاقاتها مع الثانية إلى مستوى مساوٍ لعلاقتها القديمة مع الصين ضمن برنامج «دعم الأصدقاء» في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التكنولوجيا، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لجذب الاستثمارات الأمريكية من النوع الذي تريده فيتنام، أي الاستثمارات ذات الصلة بأشباه الموصلات والرقائق والذكاء الصناعي والأمن السيبراني، بدليل أن شركة «إنتل»، التي تعد من أكبر شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات والمتخصصة برقائق ومعالجات الكمبيوتر، لم تتحمس كثيراً وقررت عدم توسيع مرافقها وأنشطتها التجميعية والاختبارية في فيتنام بسبب معاناتها من البيروقراطية ونقص الطاقة الكهربائية ومستوى مهارة خريجي الجامعات الفيتنامية.

وطبقاً لآراء العديد من الزملاء من مراقبي الشأن الفيتنامي والآسيوي، ومنهم الاقتصادي ديفيد دابيس، كبير باحثي معهد كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، فإنه إذا تمكنت هانوي من تحسين قطاعها الخاص ومواردها من الطاقة والتدريب والبنية الأساسية الناعمة فإن نمو ناتجها المحلي الإجمالي سوف لا يقل عن 6 % سنوياً طيلة السنوات المتبقية من العقد الحالي، وبالتالي ستصلح بعض الضرر الذي لحق بسمعتها كبلاد جاذبة للاستثمارات وذات اقتصاد متألق، غير أن هذا مشروط بعدم انزلاق الاقتصادين الأمريكي والأوروبي نحو الركود والتباطؤ، وبعدم قيام الصين بخفض الإنفاق الاستهلاكي والسياحة.