ربما يقول البعض إن الوقت غير مناسب للكتابة عن هذا الموضوع بعد أن مرّ أسبوع على انتهاء شهر رمضان المبارك، لكنني أعتقد أن الوقت ما زال مناسباً بعد الجدل الذي دار حول الدراما التلفزيونية هذا العام، وبعد قرارات الإيقاف والإحالة إلى النيابة العامة التي اتخذتها بعض الدول تجاه طواقم عمل بعض هذه الأعمال، واختلاف الآراء حول الخطوط التي يجب ألا تتجاوزها الأعمال الدرامية والفنية بشكل عام، ومدى الضرر الذي تلحقه بعضها بسمعة بعض الدول.
الذين لا يرون ضرراً من هذه الأعمال يقولون إن مهمة الفن ليست تسليط الضوء على المشاكل الموجودة في المجتمع فقط، وإنما تضخيمها وتفجيرها من الداخل كي تحدث دويّاً يلفت نظر السلطات المختصة، وكافة فئات المجتمع، إلى حجم الخطر الناتج عن الخوف والسكوت، حتى لو كان حجم المتضررين ضئيلاً، ولو في حدود فردٍ واحدٍ أو أفرادٍ قليلين جداً، انطلاقاً من القاعدة القرآنية التي تقول إن «من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»، وهي قاعدة دينية، إلى جانب أنها قاعدة أخلاقية يتفق عليها كل البشر. لهذا فإن هذه الأعمال الفنية تقرع الجرس قبل أن تقع الفأس في الرأس، كما يقال في الأمثال.
أما الذين يرون ضرراً من هذه الأعمال فيقولون إن المشاكل التي تتناولها هي حالات فردية وشاذة، تسليط الضوء عليها وتضخيمها يحولها إلى ظواهر تسم المجتمع كله بالفساد والخروج عن القواعد الأخلاقية المتعارف عليها، والتي تأخذ شكل الإرث الذي لا يجب الاقتراب منه بأي شكلٍ من الأشكال تحت أي مبرر، متهمين هذه الأعمال الفنية بأن الغرض منها هو الربح المادي قبل كل شيء، والشهرة على حساب سمعة المجتمعات التي تقع فيها أحداثها، وهو المبرر الذي استندت إليه بعض الدول في محاسبة طواقم هذه الأعمال، ومن بينهم الممثلون الذين قاموا بأداء أدوار مكتوبة لهم، من دون أن يكون لهم دور في وضع الفكرة الأساسية للعمل الفني، التي هي من اختصاص المؤلف، أو صياغة الحوار، الذي هو من اختصاص كاتب السيناريو.
هنا يستشهد المعارضون لهذه الأعمال الفنية بأعمال تم إنتاجها قبل عقود من الزمن، عالجت مشاكل اجتماعية بأساليب أخرى، يرونها راقية بالمقارنة مع أساليب هذا الزمن، ويطرحون أسماء مسلسلات كثيرة، يعتبرونها خالدة، شكلت علامات بارزة في تاريخ الدراما التلفزيونية، ما زال الذين شاهدوها زمن عرضها يحفظون أسماء كُتّابها ومخرجيها وأبطالها، ويعيدون مشاهدتها من خلال قنوات «زمان» التلفزيونية، أو من خلال اليوتيوب، الذي غدا ذاكرة تحتفظ بالكثير مما نريد استعادته من أعمال الماضي، أو مما لم نشاهده وقت عرضه، إلى جانب التطبيقات التي تقدم لنا مخزوناً لا ينفد من الأعمال الدرامية وغيرها، يستطيع أن يسد أي فراغ في أوقاتنا على مدار الساعة، وفي كل مكان نذهب إليه في أنحاء الكرة الأرضية.
هنا يعود المؤيدون لهذه الأعمال ليقولوا إنه لا يمكن أن نفرض طريقة تفكير وذائقة أبناء زمن ماض على أبناء زمن آخر تختلف فيه طريقة تفكيرهم وذائقتهم عن أولئك السابقين، أبناء زمن يفضلون المواجهة المباشرة وتفجير المشاكل بدلاً من السكوت عنها وتغليفها بطابع ينحو إلى التجاهل بدلاً من الاعتراف، ويتمسك بإرث ثقافي وأخلاقي زحفت عليه المدنية الحديثة بكل ما توفر لها من تكنولوجيا ووسائل إعلام ووسائط جعلت التواصل بين أفراد المجتمع مختلفاً، وانتشار أي خبر يتم في أسرع من لمح البصر، وجعلت التفاعل مع أي حدث وتضخيمه وسيلةً للشهرة وتحقيق أعلى نسبة مشاهدة والحصول على مكاسب مادية كبيرة بأسهل الطرق.
هنا يقول المعارضون إن تحقيق نسب مشاهدات عالية في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي تحقق بالتأكيد شهرة واسعة ومكاسب مادية كبيرة، لكن المقابل هو هدم القيم والأخلاق ونسف الترابط الأسري والاجتماعي، مثلما رأينا في بعض مسلسلات دورة شهر رمضان، وهو قمة الإفساد، وفقاً لرأي المعارضين.
هنا نقول إن دورة واحدة لا تكفي لحسم هذا الحوار الذي لن ينتهي، شأنه شأن كل الحوارات المفتوحة في زمن الفضائيات والتطبيقات العابرة للحدود.