يشدّد التحالف الغربي المساند لإسرائيل أنّ النجاح في صدّ الهجوم الإيراني هو «نصر استراتيجي»
بات من الواضح أنّ بنيامين نتانياهو تحصّل على الضوء الأخضر من الولايات المتّحدة لتنفيذ ردّ عسكري ضدّ إيران، فقد تواترت التصريحات الأمريكية المعلنة عن عدم مشاركتها في هجوم محتمل على إيران، لكنّها «ملتزمة مطلقاً بالدفاع عن إسرائيل».
وتشير المعلومات إلى أنّ التحضيرات جارية لتنفيذ الهجوم رغم إعلان إيران أنّ «ردّها على أيّ هجوم على أراضيها سيكون فورياً وشديداً».
ويعتبر الجانب الإيراني أنّ الهجوم الواسع وغير المسبوق، الذي نفّذته ضدّ إسرائيل يوم 14 أبريل الجاري يندرج في إطار «حقّ الردّ» على الهجوم الإسرائيلي مفتتح هذا الشهر ضدّ منشأة دبلوماسية إيرانية في سوريا، وأدّى إلى مقتل كوادر من الحرس الثوري الإيراني.
وتقول الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل إنّ الهجوم الإيراني فشل في تحقيق أهدافه، ويشدّد التحالف الغربي المساند لإسرائيل أنّ النجاح في صدّ الهجوم الإيراني هو «نصر استراتيجي» يعفي إسرائيل من ردّ «انتقامي تصرّ عليه وقد يُدخل المنطقة في أتون حرب لا يرغب فيها أيّ طرف، لكنّ الداخل الإسرائيلي يدفع باتّجاه القيام بردّ عسكري يمكّن الدولة العبرية من المحافظة على تفوّقها الردعي، ويضمن عدم تعرّضها لهجمات أخرى.
ويدور جدل في إسرائيل حول مدى هذا الردّ العسكري بين «معاقبة صارمة» قد تسبّب ردود فعل إيرانية تفتح باب الحرب الشاملة في المنطقة، والردّ الاستعراضي على شاكلة الهجوم الإيراني ليوم 14 أبريل بما لا يؤدّي إلى توسيع نطاق النزاع ويشعل فتيل حرب ستكون لها تداعيات مدّمرة على التجارة العالمية وعلى اقتصاديات دول العالم.
الردّ الإسرائيلي هو إذاً مؤكّد ومسألة وقت حسب بعض الملاحظين وهو يراوح بين «الهجوم الموجع» والمحافظة على حالة «الحرب الباردة»، بمعنى القيام بهجوم لحفظ ماء الوجه واستغلال الفرصة التي أتاحها الهجوم الإيراني لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو من أجل مواصلة الضغط الدبلوماسي وتوسيع التحالف ضدّ إيران في المنطقة الذي أضعفه جدّاً العدوان الغاشم على غزّة والضفة الغربية، والذي لن يكون ممكناً في ضوء استمرار العدوان على الأراضي الفلسطينية والقبول بحلّ الدولتين على أساس الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى تقوية التحالف التاريخي مع الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا وباقي كتلة الغرب الليبرالي، وهذا المسار لن يكون ممكن التحقيق كما أسلفنا إلّا بإغلاق ملفّ العدوان على غزّة والضفة الغربية والقبول بوقف فوري ودائم لإطلاق النار بما يتيح تدفّق المعونات الصحية والغذائية ويفتح أفقاً سياسياً للمسألة الفلسطينية في إطار قرارات الشرعية الدولية على جورها في حقّ الفلسطينيين.
إنّ الحسّ السليم يفرض هكذا تمشّ، ولكنّ نتانياهو الذي «هو من جهة، رهين وزرائه المتطرفين الذين يدفعون نحو حرب مع إيران في محيط إقليمي ودولي معقّد لحماية تحالفهم المتطرّف» كما عبّر عن ذلك رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، ومن جهة أخرى فإنّ مواصلة الحرب بكلّ أشكالها يسهّل على نتانياهو الاستمرار في الحُكم وتفادي المحاسبة.
إنّ نصائح التحالف الغربي لنتانياهو لا يُعتقد أنّ دوافعها إنسانية أو سلمية بالضرورة، ولكنّ المصلحة الاستراتيجية لدولة إسرائيل تقتضي ذلك، وهو ما لا يستطيع نتانياهو وتحالفه الحاكم استيعابه، ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى نعت سياسته بـ«الغبية»، ولكن ما لم تقدّره الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يبدو، هو تلك الرغبة المحمومة التي تتملّك نتانياهو من أجل فرض أمر واقع ملغوم وجرّ حلفائه إلى حرب مدمّرة بقطع النظر عن تداعياتها على مصالح هذه الدول، لأنّ المهمّ والأهمّ في منظوره إنقاذ نفسه.
ومثلما أنّ ورقة الحرب هي مصيرية بالنسبة لنتانياهو لتماسك حكومته واستمرار حُكمه فإنّ الأزمة مع إسرائيل هي مهمّة لإيران لجهة خلق الشروط اللازمة لاستمرار التوتّر في المنطقة وداخل الدول العربية بما يستحيل معه تحقيق أيّ اختراق فعلي نحو سلام دائم وعادل في المنطقة يضمن بعض الحقّ الشرعي والتاريخي للفلسطينيين، ويفتح باباً حقيقياً لزوال دولة لا تنتعش إلّا في مناخات الحروب، إنّ مصالح «الأعداء» قد تلتقي وإن اختلفت الأهداف.