الممثلون من ذوي الأصول الشامية في السينما المصرية كثر، لكن الفنان «بشارة واكيم» ليس أحدهم، وإن جسد ببراعة أدوار الرجل الشامي الظريف في كل أعماله السينمائية والمسرحية، فهو مصري الأصل والنسب، وما إجادته للهجة الشامية إلا بسبب اختلاطه بجيرانه الشوام في حي الفجالة بالقاهرة الخديوية، حيث ولد ونشأ، ثم بسبب رحلاته الكثيرة إلى بلاد الشام.
ولد واكيم في 5 مارس 1890، وتخرج في مدرسة الفرير الفرنسية في حي الخرنفش الأثري، التي كانت لا تقبل إلا أولاد الذوات، ثم التحق بكلية الحقوق وكان مرشحاً للابتعاث إلى فرنسا لمواصلة دراسته، لكن ظروف الحرب العالمية الثانية حالت دون ذلك.
حصل على ليسانس الحقوق سنة 1921 فمارس المحاماة لمدة سنتين في المحاكم المختلطة، حيث كان يترافع باللغة الفرنسية، لكن سرعان ما خلع روب المحاماة بسبب عشقه للفن، على الرغم من اعتراض عائلته على العمل كـ«مشخصاتي»، لدرجة أن عميد عائلته لجأ إلى كاهن الكنيسة طالباً منه أن يصلي من أجل بشارة «الذي أغواه الشيطان وقاده إلى الفن»، قبل أن تتبرأ منه العائلة وتقاطعه لسنوات طويلة.
انضم واكيم أولاً إلى فرقة عبدالرحمن رشدي المسرحية، ثم عمل عضواً في فرقة جورج أبيض، قبل أن يلتحق بفرقة رمسيس لصاحبها يوسف وهبي، ويشارك الأخير في ترجمة وتمصير 22 مسرحية فرنسية، لكن شهرته الفنية بدأت في أعقاب التحاقه بفرقة نجيب الريحاني وعمله مع الأخير في مسرحيات «قسمتي»، و«الدنيا على كف عفريت»، و«حسن ومرقص وكوهين».
ومما يذكر أنه اضطر لحلق شاربه كي يؤدي مشهداً تمثيلياً معيناً في إحدى مسرحيات جورج أبيض، فطرده أخوه الأكبر من البيت لأنه تخلى عن «رمز الرجولة»، فاضطر أن ينام ليلته في إحدى ردهات المسرح.
في مطلع العشرينيات دخل مجال التمثيل السينمائي مبتدئاً مشواره بالفيلم الكوميدي «برسوم يبحث عن وظيفة» عام 1923، من تمثيل وإخراج محمد بيومي، الذي يعد ثاني فيلم روائي صامت في تاريخ السينما المصرية. أما آخر أفلامه قبل وفاته.
فقد كان فيلم «خلود» الدرامي الكئيب من تمثيل وإخراج وتأليف عز الدين ذو الفقار سنة 1949. وما بين الفيلمين ظهر في نحو 381 فيلماً ومسرحية مجسداً على الدوام أدوار الأب أو الجد أو صديق البطل بطريقة كوميدية، ومن بين أعماله التي حصل من ورائها على جائزة خلال مسابقة أقامتها وزارة المعارف المصرية، الفيلم النادر «الحب المورستاني» من تأليفه وإخراج ماريو فولبي وإنتاج عام 1937.
كان واكيم مطلعاً وواسع الثقافة ومتبحراً في اللغتين العربية والفرنسية، وهذا ما ساعده على ترجمة العديد من روايات الأدب الفرنسي الرفيعة إلى العربية التي برع فيها بسبب حفظه للقرآن الكريم ومطالعته كتب التفسير، رغم أنه كان مسيحي الديانة.
أما لجهة حياته الاجتماعية، فقد رفض الزواج، وفضل أن يكون عازباً. وفي تبريره لذلك قال في أحد حواراته الفنية إن والدته كلما غضبت عليه كانت تدعو عليه بقولها «روح إلهي يبتليك بجوازة تهد حيلك»، فكبر وهو يرى الزواج مصيبة أو نكبة يبتلي الله بها المرء لكي يودع معه أيام الهدوء والصفاء وراحة البال ويدخل في دورة «العكنكة والدوشة ووجع الدماغ» حسب قوله.
لكن هناك معلومة تفيد أنه كان يحب إحدى قريباته وخطبها، لكن أهله فسخوا الخطبة وقاموا بتزويجها لشخص آخر، عقاباً له على عدم الانصياع لرغباتهم في ترك الفن والعودة إلى مهنة المحاماة الرفيعة.
عن ظروف وفاته كتبت صحيفة «أخبار اليوم» القاهرية في ذكرى وفاته سنة 2023 قائلة (بتصرف): «بمرور الأيام داهمه المرض، ففوجئ بمدير فرقة الريحاني المسرحية يطلب منه أن يستريح في منزله ويعتبر نفسه في إجازة مدفوعة الأجر لأن صوته أصبح واهناً وحركته بطيئة على المسرح».
وأضافت الصحيفة: «دمعت عيناه عندما علم أن زملاءه وتلاميذه في العرض هم من يقولون ذلك، فتقدم باستقالته وانتقل لفرقة الكوميديا المصرية، لكن كلمات مدير فرقة الريحاني ظلت تتردد على مسامعه، والإساءة التي تلقاها من تلاميذه زادته حزناً وإحباطاً، ما تسبب في تدهور حالته الصحية والنفسية، حتى أعلنت الصحف نبأ وفاته في 30 نوفمبر 1949، وهو يمسك بأوراق مسرحية جديدة كان يستعد لتمثيلها».