مرت دولة الإمارات الأسبوع الماضي بما يمكن وصفه بأنه حالة من حالات «التطرف المناخي»، تمثلت في تعرضها لمنخفض جوي مطير عنيف تسبب في هطول كميات كبيرة من الأمطار بلغت 250 ملم في يوم واحد، أي ما يعادل ما يهطل على مدينة لندن على مدار 6 أشهر، وأكثر مما يهطل على الدولة في عام كامل. في دول أخرى غير الإمارات يمكن أن يترتب على ذلك نشوء كارثة طبيعية.. لكن ولأنها الإمارات دولة اللامستحيل التي تتميز بجاهزيتها للمستقبل واستعدادها للتعامل مع مختلف الأزمات والظروف، فقد تحول الأمر إلى مناسبة لإثبات تميز النموذج الإماراتي في التعامل مع الظروف غير الطبيعية.
نقطة التميز الأولى، كانت في إثبات جودة البنية التحتية المتطورة في الدولة وكفاءتها، فرغم كميات المياه الضخمة فإن شبكات المياه والكهرباء والاتصالات لم تتأثر، ولم تتوقف حركة السفر في مطار حيوي يربط العالم كله مثل مطار دبي سوى عدة ساعات، حيث تمت إعادة جدولة الرحلات بعد 12 ساعة، بينما عادت الحياة لطبيعتها بعد 24 ساعة. صحيح أن الشوارع والساحات تأثرت من حجم المياه الكبير الذي ارتفع عن منسوبه الطبيعي، ما سبّب تعطلاً جزئياً وارتباكاً للحركة في بعض المناطق، لكن الصحيح أيضاً أن شبكات الصرف نجحت في تصريف الكميات الضخمة من المياه لتبدو الشوارع والطرقات كأن شيئاً لم يكن بالأمس.
نقطة التميز الثانية، هي المرونة الكبيرة التي ميزت التعامل الحكومي مع هذه الظاهرة المناخية المفاجئة، والتي تمثلت في سرعة اتخاذ القرارات، وتعزيز كفاءة شبكة الاتصالات لتوعية الجمهور بما ينبغي عليه فعله. فالتحذيرات الرسمية كانت سابقة للحدث، والاستعدادات كانت تتم على قدم وساق، ورسائل التحذير والتوجيه كانت تصل لمختلف القاطنين في أرض الدولة، ونتيجة لذلك لم تؤد هذه الأزمة إلى أية خسائر في الأرواح، واقتصرت فقط على بعض الخسائر المادية التي لحقت بممتلكات بعض المواطنين والمقيمين من سيارات ومنازل غمرتها المياه.
وحتى في هذه الحالة الأخيرة فقد كانت المتابعة الحكومية متميزة في التحرك السريع لتقديم الدعم والمساعدة للمتضررين، حيث تم تخصيص أرقام اتصال لاستقبال طلبات المواطنين المتضررين من تداعيات الحالة الجوية، وانتقلت المدارس بمرونة وكفاءة لآلية التعليم عن بُعد، وكذلك في العمل، حيث مارست الكثير من المؤسسات أعمالها عن بعد مستفيدة من كفاءة البنية التحتية الرقمية.
نقطة التميز الثالثة كانت في حالة التضامن المجتمعي التي شهدتها الدولة بين المواطنين والمقيمين على السواء، والتي تمثلت في تطوع الآلاف من أجل تقديم العون والمساعدة للآخرين، حيث رأينا الكثير من القصص الإنسانية والبطولية التي تعكس قيم ومبادئ الإمارات الأصيلة، والتي تمت مشاركتها وإبرازها على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، لترسم ملامح صورة جميلة لمجتمع إماراتي متضامن ومتعايش ومتعاضد في مواجهة أي أزمات، فضلاً عن الإيجابية التي ميزت تعامل المواطنين والمقيمين، حيث تم تحويل الأزمة إلى مناسبة للتعبير عن الفرح والإشادة بمناخ الإمارات، والنظر لما حدث باعتباره نعمة من الله، لأن مياه الأمطار عززت مخزونات المياه الجوفية، وتسببت في جريان أودية توقف جريانها لعشرات السنين.
والأهم من كل ذلك هو أن الدولة بأجهزتها المختصة بدأت في تقييم الدروس المستفادة من هذه الأزمة، من أجل مزيد من تعزيز تميز النموذج الإماراتي لإدارة الأزمات وتعزيز كفاءته المستقبلية استناداً لتجربتها الرائدة في تحويل التحديات إلى فرص.