تشهد الجامعات الأمريكية حراكاً طلابياً كبيراً مطالباً بضرورة وقف الحرب والعدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ونصرة لحقوق الشعب الفلسطيني المنتهكة منذ أزيد من 75 سنة.
وتوسعت حالة الغضب لتمتد المظاهرات الاحتجاجية على العدوان الإسرائيلي وضد سياسات الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة لدولة إسرائيل المارقة والضاربة عرض الحائط بالقوانين والمواثيق الدولية، إلى عشرات الجامعات في الولايات المتحدة، منها جامعات عريقة ومرموقة ورائدة مثل هارفارد وجورج واشنطن ونيويورك وييل وكارولينا الشمالية ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وجامعات تساهم في تخريج أهم النخب الأمريكية وغيرها.
وشملت الاحتجاجات والاعتصامات أكثر من 58 مؤسسة جامعية وتم تنظيم أكثر من ثمانية آلاف مسيرة احتجاجية في 850 مدينة أمريكية وأدت إلى اعتقال ما يفوق 900 شخص في هذا الحراك الطلابي، الذي يذكر بوضوح بالاحتجاجات الطلابية لسنة 1968 والتي ساهمت حينها في وقف الحرب الفيتنامية.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات من جامعة كولومبيا في نيويورك لتعم جامعات ومدن أمريكية أخرى، ثم لتشمل جامعات كندا وفرنسا وخصوصاً جامعة السوربون الشهيرة وعديد الدول الغربية وحتى العربية. ويبدو أن هذا الحراك الطلابي في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول هو بصدد التحول التدريجي لحراك شبابي ومجتمعي أعم، ما يضع مختلف الحكومات الغربية وتحديداً الأمريكية في وضعية حرج ساهمت في البدء بظهور مؤشرات على تعديل أوتار المواقف والسياسات تجاه العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني.
وإذا كان هذا الحراك الطلابي والشبابي بدأ يأخذ بعداً عالمياً شاملاً غير مسبوق، فإنه من الضروري التوقف عند شرارة انطلاقه في الولايات الأمريكية، وذلك لسببين اثنين على الأقل:
أولاً، تداعيات هذا الحراك على التوازنات والسياسات الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية المقدمة على استحقاق انتخابي على غاية من الأهمية داخلياً وخارجياً.
وليس بخافٍ أن الرأي العام الأمريكي، وخصوصاً شرائح الشباب، بدأ يشهد تحولات كبيرة في علاقة بالدعم اللامشروط لإسرائيل.
فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب» انخفاضاً لافتاً في دعم المجتمع الأمريكي لإسرائيل، وصل إلى 58 % وهي النسبة الأدنى منذ 20 سنة، وهي نسبة تدنت أكثر لدى الشريحة العمرية من 18 إلى 34 سنة، ويشير الاستطلاع إلى وجود انخفاض حاد في تأييد الدولة العبرية بين هذه الفئة العمرية، بلغ 38 في المائة مقارنة بـ64 % العام الماضي.
وثانياً، تكمن أهمية هذا الحراك الشبابي والطلابي في طبيعة مطالبه، حيث تجاوز مجرد محاولة التأثير على القرار الأمريكي بخصوص المسألة الفلسطينية ليتقدم بمطالب واضحة ودقيقة وكاشفة لعمق العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، هم يطالبون بالمقاطعة الأكاديمية وتجميد الاستثمارات في الدولة العبرية، ولا يبدو أن محاولة وضع هذا الحراك الطلابي تحت يافطة معاداة السامية نجحت أمام ردة الفعل القوية الصادرة عن المجتمع المدني الأمريكي.
ولعل طبيعة هذه المطالب تكشف حجم وامتداد وكنه الدعم الذي كان يقدم لدولة هي في المخيال الأمريكي جزء من «دولة» و«حضارة» أمريكا، وترجمان ذلك، أن لا حدود ولا خطوط حمراء للتعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل بما في ذلك وضع خبرات وأبحاث أكبر الجامعات الأمريكية في خدمة الدولة العبرية. ولكن حكومة نتانياهو لا يبدو أنها مدركة لعمق هذه العلاقة، ما دفعها، ولأسباب شخصية بديهية، إلى الوقوف في وجه مطالب أمريكية غايتها القصوى المحافظة على الوجود الإسرائيلي.
إن هذا الشعور المتأصل في السلوك الأمريكي، هو الذي يفسر «انتفاضة» أمريكا لنصرة إسرائيل غداة عملية «طوفان الأقصى» وهو الذي يفسر أيضاً إصرارها على المساندة، مهما كانت انحرافات حكومة نتانياهو.
وإن إدراك هذه الحقيقة المرة، لا محالة، يدفع إلى القول إن التشبث بالحقوق على أساس الشرعية الدولية، على جورها، هو سبيل الحماية الوحيد للفلسطينيين.