سيتوجه الناخب الأمريكي في أول ثلاثاء من شهر نوفمبر إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وكل أعضاء مجلس النواب.
قضية في ظاهرها عادية تتكرر كل أربع سنوات في الولايات المتحدة، لكن حدة الاستقطاب تعدت المعقول في الأنظمة السياسية عموماً والديمقراطية تحديداً. فمنذ عقود بدأت السياسة الأمريكية تعتريها عوامل شقاق، المفترض أن تعالجها العملية الديمقراطية، لكن في الحالة الأمريكية فإنَّ العملية الديمقراطية، مثل الانتخابات، باتت تتأجج.
السبب يعود إلى ضعف المجتمع السياسي، الذي كان يعمل على تجسير الهوة بين الأفراد والمجموعات.
ويتشكل المجتمع السياسي من مجموعة من القيم الضابطة للعملية السياسية عدا عن المؤسسات السياسية. بالطبع هناك ضرورة لوجود الأخير ـ أي المؤسسات السياسية ـولكن دون ضابط من المجتمع السياسي، فإنَّ المؤسَّسات تتعرض للاهتزازات كما حصل ويحصل الآن في الولايات المتحدة.
صموئيل هنتنغتون في كتابه «السياسة الأمريكية: نذر التنافر» يجادل بأنَّ هناك تناقضاً متأصلاً في النظام السياسي الأمريكي يؤدي إلى تناقض دائم. فقد قام المجتمع الأمريكي على مجموعة مُثل وهي: الفردانية، والحرية الدستورية، والديمقراطية والتي هي في تضارب مع المؤسساتية والتي تحتوي على القوة السياسية. فهذه الهوة بين ما هو مثالي وبين ما هو مؤسَّساتي يؤدي إلى ما يسميه هنتنغتون بالانفجارات «الحميّة العقدية».
هذه الحميات العقدية تفجرت كل ستة عقود من التاريخ الأمريكي، والتي توالت في 1716 في الثورة الأمريكية، وفي 1830 في حرب بنك أمريكا، وفي 1890 ـ 1920 والتي سعت لتقويض قوة النخبة واستعادة الديمقراطية المباشرة، وأخيراً في ستينيَّات القرن العشرين بسبب حرب فيتنام، وحركة الحقوق المدنية.
والآن وفي عشرينات القرن الحالي ـ أي: بعد ستين عاماً من ستينيات القرن المنصرم ـ تعود الكرة وتطفح الحميّة العقدية المتمثلة في الحركة الشعبوية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب في إعادة للمشهد الانتخابي لعام 2020. وفي هذا السباق إلى البيت الأبيض يتجلى وبوضوح الشقاق.
وفي استطلاع لآراء البالغين من الأمريكيين عن جواز استخدام العنف لتعديل مسار الولايات المتحدة، صوت حوالي 20 % من السكان بنعم. بينما صوت 12% من الديمقراطيين بجواز استخدام العنف. في حين الجمهوريون أيدوا بنسبة 28 % على استخدام العنف لتصحيح مسار الولايات المتحدة.
وهنا يكمن الخطر، أنَّ نسبة لا بأس بها من السكان تعتقد أنَّ استخدام العنف جائز لحل الخلافات السياسية. رغم أنَّ الأغلبية الساحقة قالت إنها لا تدعم استخدام وسائل عنيفة لحل القضايا السياسية، إلا أنَّ أقليةً معتبرةً تؤيد العنف.
السباق بين الرئيس جو بايدن وخصمه اللدود ترامب متقارب بنسبة 50 إلى 48 في المئة. أي بفارق هامش الخطأ في الاستطلاعات.
وإذا ما تواجه المرشحان في نوفمبر المقبل فإن النتائج المتقاربة قد تؤدي إلى مواجهات بين الفرقاء. وقد يتهم ترامب خصومه بالتلاعب بالنتائج إذا ما خسر ويحرض أنصاره ـ كما فعل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ـ على أعمال شغب وعنف.
هل تستطيع المؤسسات الدستورية والقانونية التعامل مع حالة من الفوضى والاضطراب السياسي؟ إنَّ غداً لناظره قريب!