تبنت الجمعية العامة للأمم المتّحدة يوم 10 مايو 2024 قراراً هامّاً يمنح دولة فلسطين حقوقاً وصلاحيات وامتيازات إضافية، من بينها، الحقّ في الجلوس حسب الترتيب الأبجدي مع باقي الدول الأعضاء، والحقّ في تقديم مقترحات وتعديلات، والتقدّم بنقاط نظام، والحقّ في الردّ عن المواضيع المقترحة من المجموعات.
وتبنّت الجمعية العامة للأمم المتّحدة القرار بأغلبية 143 صوتاً، بينها 3 من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن هي روسيا والصين وفرنسا وكلّ الدول العربية، مقابل رفض 9 دول، بينها إسرائيل والولايات المتّحدة وامتناع 25، بينها ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا.
واعتبرت دولة الإمارات العربية المتّحدة التي قدّمت مشروع القرار باسم المجموعة العربية أنّ القرار يمثّل «خطوة تاريخية نحو رفع المظالم التي تعرّض لها الفلسطينيون منذ 1948» مضيفة «أنّ منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتّحدة هو رسالة قويّة لصالح حلّ الدولتين».
ويوصي قرار الجمعية العامة التاريخي مجلس الأمن الدولي «بإعادة النظر الإيجابية» في الموضوع، بعد الفيتو الأمريكي الذي أفشل قراراً في هذا الخصوص يوم 18 أبريل الماضي.
وإذا كانت الاعتبارات الجيوسياسية تفسّر في جزء منها مواقف روسيا والصين المساندة للحقّ الفلسطيني، فإنّ موقف فرنسا التي أعلنت أنّها تساند بقوّة وحزم منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتّحدة، يُعتبَر بمثابة عودتها إلى سالف مواقفها التقليدية بخصوص المبادئ العامّة التي تحكم القضية الفلسطينية، وهي إلى ذلك شدّدت على «الطابع العاجل للحلّ السياسي» للنزاع في المنطقة.
ومسألة الحلّ السياسي رجعت بقوّة على سطح الأحداث بما أكّد ويؤكّد أنّ القضية الفلسطينية من المستحيل أن يلفّها النسيان لأنّها مرتبطة بحقوق شعب في أرضه المغتصبة وفي إقامة دولته المستقلة والقابلة للحياة وفق ما تقرّه قرارات الشرعية الدولية، على جورها، في حقّ الفلسطينيين. وطبيعي هذا المنحى لأنّ حقوق الشعوب والدول في أرضها لا تسقط بالتقادم وهي لذلك تبقى مخزونة في الذاكرة الجمعية للشعوب والمجتمعات وتعود إلى راهن الأحداث كلّما سنحت الفرصة واقتضت الظروف ذلك.
وجاء العدوان الإسرائيلي على غزّة والضفة الغربية ليضع الغرب الليبيرالي أمام تناقضاته الداخلية الموجعة لمجتمعة ولشبابه بالخصوص وليكشف للمجتمعات الغربية زيف التشبّث بالقيم والمبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما دفع رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان إلى القول بأنّ «التاريخ سيحاسب الغرب ذات يوم على ما حدث ويحدث في فلسطين وغزّة» لأنّ «حقيقة ما يحدث وحقيقة السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزّة لا لُبْسَ في انتهاكها للشرعيّة الدولية ولمبادئ القانون الدولي الإنساني».
وإنّ في مزيد انكشاف هذه الحقائق المهينة لكرامة البشر مناسبات تتكرّر لوقوف هذه المجتمعات الغربية والشباب منهم تحديداً على عُمْقِ الهوّة بين قيم المواطنة التي تعلّموها وألفوها وسياسات دولهم التي فكّت ارتباطها مع مخزون القيم والمبادئ التي جعل منها نقاط استقطاب وجذب لباقي المجتمعات والدول، وهو ما قد يفسّر حدّة وتعاظم موجة الحراك المجتمعي والشبابي في هذه الدول الغربية بما سيُجدّد عملية الفرز ويعيد توزيع أوراق السلطة في هذه البلدان.
وإنّ هذه التناقضات التي تعيشها الدول والمجتمعات الغربية بين المخزون القيمي والأخلاقي الموروث والمآلات التي تكرّسها سياسات رسمية فاسدة ومارقة، تهدّد بالفعل وجودها واستمرارها وتفتح الباب مشرعاً أمام انفراط العقد الاجتماعي الذي مثّل على مدى الأحقاب ضمانة تقدّم واستقرار هذه المجتمعات والدول وتؤسّس لمجتمعات الفوضى والجريمة المنظمة والانهيار القيمي والأخلاقي.
ولعلّ هذا الحراك المجتمعي والشبابي في دول الغرب الليبرالي من شأنه أن يفتح باباً للأمل في عالم مجتمعات أفضل، لا تُنتهك فيها حقوق الأفراد والشعوب وتنتهي فيها معاناة شعب فلسطين التي تدوم منذ أزيد من 75 سنة، فالأمل قائم والحلّ قادم لا محالة، مهما تفاقمت الأزمات واشتدّت.