الكثيرون من عشاق أم كلثوم على امتداد الوطن العربي ربما لم يسمعوا باسم «أحمد صبري النجريدي»، ولا يعرفون أنه من أوائل ملحني أغاني كوكب الشرق زمن بداياتها وصعودها. والحقيقة هي أن البيانات المتوفرة عن الرجل شحيحة جداً، باستثناء أنه ولد في طنطا، وعمل في صناعة طب الأسنان قبل أن يتحول بالممارسة إلى طبيب أسنان يزاول المهنة من خلال عيادة بالقاهرة، وأنه كان هاوياً للموسيقى والتلحين دون أن يتخذ منهما مهنة أو مصدراً للدخل، وهو ما جعله بعيداً عن عالم الملحنين وأجواء الطرب والغناء في الملاهي والكبريهات والأفراح، لكنه نجح في تقديم مجموعة من ألحانه لمطربات معروفات في زمنه ومنهن منيرة المهدية، التي كانت تتربع آنذاك على عرش الطرب، وفتحية أحمد وملك ونادرة ورجاء عبده وتوحة، علاوة على عبدالغني السيد. إلى جانب التلحين، كان الرجل متذوقاً للأدب والشعر فكتب كلمات عدد من الأغاني.
حينما قدمت أم كلثوم إلى القاهرة من الأرياف عام 1924، تعرف عليها النجريدي من خلال علي بك البارودي، فسعى إلى إخراجها من قالب الموشحات والأغاني التقليدية وألحان الشيخ أبي العلا محمد إلى دائرة الأغاني الخفيفة والطقطوقات، وبعض من أغنيات الشعر الفصيح، خصوصاً وأنه هام بصوتها النادر، قبل أن يهيم غراماً بها ويطلبها للزواج سنة 1928. وهو ما ردت عليه أم كلثوم بالرفض، فآثر وقتها أن ينسحب من حياتها ومن التلحين لها، واهباً ألحانه لغيرها، حيث لحن مثلاً أوبريت «بدر الدجى» الذي عرض في فيلم «من وراء الستار» للمخرج كمال سليم سنة 1939 من بطولة عبد الغني السيد ورجاء عبده. وكان ذلك العمل الغنائي آخر أعماله قبل وفاته.
تقول المصادر التي اطلعت عليها إن النجريدي لحن في الفترة من 1924 إلى 1928 ثماني قصائد لمطربة القطرين «فتحية أحمد» هي: «فراق الروح»، و«أساة الهوى»، و«بلغوها إذا أتيتم حماها»، و«غلب الشوق مغرماً فبكاك»، و«خطرت ورود الروض بين يديها»، و«عودوا لها وسلوها»، و«يا عاذلي بالله كف»، و«يانظرة أرسلت نار الغرام»، وأنه لحن للمطربة توحة مونولوجاً واحداً هو «أشكي منك وأشتكيلك»، كما غنت له المطربة نادرة طقطوقة «القلب كان ماله ومالك» وقصيدة «سابق الريح نحوها يا غرامي».
أما بالنسبة لألحانه لأم كلثوم، فقد اختلفت المصادر حول عددها، خصوصاً وأن بعضها نسبت خطأ للشيخ أبي العلا محمد. غير أنها تقع ما بين 13 و17 لحناً لقصائد وطقطوقات ومونولوجات، منها لحن واحد في 1924 (خايف يكون حبك) من كلمات أحمد رامي. وعشرة ألحان في عام 1926 هي: «الخفافة واللطافة» من كلمات محمد يونس القاضي، «كم بعثنا مع النسيم سلاما» من كلمات إبراهيم حسني ميرزا، «لي لذة في ذلتي وخضوعي» من كلمات نصر الله الدجاجي، «ما لي فتنت بلحظك الفتاك» من كلمات علي الجار. والبقية كلها من كلمات أحمد رامي وهي: «الفل والياسمين والورد»، «أنا على كيفك»، «شفت بعيني محدش قاللي»، «طلع الفجر ولاح»، «يا ستي ليه المكايدة»، «يا كروان والنبي سلم». وفي العام التالي (1927) لحن لها «الحب كان من سنين»، و«والله محدش جني» وكلتاهما من كلمات أحمد رامي.
ويمكننا القول إنه بقدر ما منحت ألحان النجريدي أم كلثوم الجرأة على التعامل مع ملحنين مجددين وغير تقليديين، واحتراف الغناء بصفة عامة، فإن تعاونها مع النجريدي جعلت اسم الأخير خالداً في قائمة من لحنوا لها إلى جانب الكبار من أمثال السنباطي والقصبجي والشيخ زكريا أحمد وصولاً إلى بليغ والموجي ومحمد عبد الوهاب.
وفيما يتعلق بجودة ألحان التجريدي، فإنه بمقاييس زمنه كانت رائعة ومتقنة، وإلا لما قبلت أم كلثوم أن تتعاون معه، ولا يعيب ألحانه ما ذكره الموسيقار محمد القصبجي ذات مرة من أنها كانت ألحاناً لملحن هاو. صحيح أن النجريدي كان يمارس التلحين كهواية، إلا أن من أتى بتلك الروائع في العشرية الثالثة من القرن العشرين، لا بد وأنه تدرب ودرس الموسيقى والعزف بجهوده الذاتية لسنوات طويلة، ولا بد أنه عاش حياته عاشقاً للفن والإبداع بكل جوارحه.