لقد شهدنا خلال شهر أبريل الماضي منخفضاً جوياً غير مسبوق، تأثرت به مختلف مناطق دولة الإمارات لم تشهده منذ أكثر من 75 عاماً، حيث أدت غزارة الأمطار إلى عرقلة حركة السير في بعض المناطق، وتعطل الكثير من الأعمال، وعادلت كمية الأمطار، التي هطلت لمدة أربع وعشرين ساعة فقط، أكثر من ضعف المعدل السنوي للدولة، كما تعدت كمياتها أضعاف ما تسجله الدول المطيرة كبريطانيا.
وعلى الرغم من حالة التأهب والاستعداد لمواجهة هذا المنخفض من قبل جميع الجهات المعنية، إلا أنه لا يمكن لأي دولة التصدي لهذه الموجة حتى لو كانت تلك الدول التي تتعرض للأعاصير، وتمتلك بنية تحتية مخصصة ومتطورة، ومن الأمور التي لاحظناها في الدولة هو البنية التحتية المتطورة والمرنة لقطاع الكهرباء، والذي لم يشهد أية أعطال جسيمة، بل وفي معظم الأوقات لم تنقطع الخدمة إلا في بعض الحالات النادرة.
ومع استمرار دولة الإمارات في تحقيق أهدافها الطموحة للطاقة المتجددة (44% من المصادر النظيفة بحلول عام 2050) فمن المحتمل أن تتأثر قدرة التوليد والبنية التحتية للنقل واستقرار الشبكة، وتشير التقديرات إلى أن مزيج الطاقة الحالي في دولة الإمارات يشكل ما يزيد على 20% من الطاقة النظيفة، مما يدل على المرونة الاستثنائية للبنية التحتية للطاقة في الدولة.
إن عملية إزالة الكربون مكفوفة بالتحديات، ولا يمكن تحقيقها بسهولة، وتتطلب تضافر الجهود بين مختلف الأطراف المعنية، خاصة بعد أن أشارت العديد من الدراسات إلى أن تحول الطاقة سيتحرك بمعدلات أبطأ من التوقعات السابقة، وأن الطلب على النفط والغاز سيحافظ على مستوياته لفترة أطول، في حين نرى مجموعة من الأمثلة الرائدة، التي عملت على مواكبة هذه التحديات، وإيجاد حلول مبتكرة، حيث كانت دولة الإمارات من أولى دول المنطقة، التي وضعت استراتيجيتها الطموحة لتخفيض الانبعاثات بحلول العام 2030، وصافي انبعاثات بحلول 2050، ومن المتوقع أن تصل السعة الكلية لإنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة إلى 14 غيغا واط بحلول العام 2030.
وتؤكد توقعات مجموعة «بوسطن» الاستشارية على النمو الاقتصادي السريع في الشرق الأوسط، مع ما يقدر بنحو تريليون دولار للاستثمار في مشاريع البنية التحتية والتنمية بحلول عام 2030، ولا تقتصر هذه الزيادة في الاستثمار على التوسع فحسب، بل تشير إلى تحول حاسم نحو دمج الاعتبارات البيئية والحد من الانبعاثات، ويتمثل الاتجاه الملحوظ في الطلب المتزايد على الموارد والمواد الكيميائية الأكثر مراعاة للبيئة، مثل الفولاذ المعاد تدويره، والألمنيوم الأخضر، والأسمنت منخفض الكربون، والأمونيا الزرقاء والخضراء.
وإذا تم وضع التشريعات اللازمة لدعم طلب السوق على المنتجات ذات الكربون المنخفض فلا بد من زيادة العرض، وهذا ما نشهده في المنطقة، والتي تسعى إلى الحصول على حلول طاقة ذات كفاءة أكبر، من حيث استهلاك الوقود وتكاليف التشغيل وكمية الانبعاثات أقل.
وقد نجح مؤتمر الأطراف «كوب 28» في تسليط الضوء بشكل أكبر على مدى إلحاح مبادرات إزالة الكربون والحاجة إلى مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، ويؤكد هذا الهدف الطموح على ضرورة اتباع نهج شامل، بما في ذلك تحديث البنية التحتية، وتكييف السياسات واللوائح، وتعزيز التعاون الدولي، كما أكد الحاجة الماسة لتطوير قوة عاملة ماهرة قادرة على الحفاظ على هذا التحول.
وتعتمد الطاقة المتجددة في المقام الأول على ضخ الاستثمارات من القطاع الخاص مدفوعاً بالسياسات والتشريعات الحكومية، إلى جانب التعاون الدولي الذي يسهم في تعزيز التدفقات المالية العالمية. ويتمثل التحدي في إدارة التحول في الاقتصادات، التي تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، وضمان وضع استراتيجيات التنويع الاقتصادي والاستدامة.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد معيار أو حل واحد يتناسب مع جميع الدول، بل كل دولة لها نقطة بداية مختلفة، وتحديات مختلفة أيضاً، وهنا على سبيل المثال نشهد دولاً مثل دولة الإمارات تحرز تقدماً ملحوظاً في رحلة التحول نحو الطاقة المتجددة، بالمقارنة مع العديد من دول المنطقة والعالم، والتي لا تزال تعمل على إزالة الكربون من قطاعاتها.
إن قطاع الطاقة وعملية إزالة الكربون يمران بتحول تاريخي، وإن التوجه نحو الاستدامة ليس مجرد استجابة للتحديات البيئية العالمية، بل هو خطوة استراتيجية لوضع المنطقة في طليعة التحول العالمي للطاقة، وفي خضم هذا التحول يكمن التحدي المتمثل في الحفاظ على أمن الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها.
وتتمثل المهمة الرئيسية في ضمان أن أصول البنية التحتية للطاقة اليوم ليست أصولاً مهجورة في الغد. واليوم يتم حرق النفط والغاز، وغداً استخدام الهيدروجين الأزرق أو الأخضر، الأمر الذي يتطلب إعادة توظيف الأصول لتوفير الاستقرار، من خلال خدمات صيانة الشبكة الدورية، التي تتصدى لتقلبات تردد الشبكة المرتبطة بمصادر الطاقة المتجددة المتقطعة كالرياح والطاقة الشمسية.
ويدعو تحقيق ذلك التزام جميع الأطراف، والاستفادة من الخبرات المتوفرة والتقنيات الحالية والمستقبلية لتحقيق مستقبل مستدام ومزدهر. إن هذه الرحلة طموحة ومليئة بالتحديات، ولكن من خلال العمل الجماعي وروح الابتكار فإن المنطقة في طريقها لتصبح منارة عالمية للاستدامة والطاقة المتجددة.