يتوجّه نحو 450 مليون مواطن أوروبي إلى صناديق الاقتراع في الفترة من 6 إلى 9 يونيو الجاري من أجل المشاركة في النسخة العاشرة للإنتخابات الأوروبية، وسيحدّد هذا التصويت القارّي الأعضاء الـ 720 المقبلين في البرلمان الأوروبي
ويختلف موعد انطلاق الانتخابات بين دول الاتحاد حيث ستبدأ الخميس المقبل في هولندا، ثم تقام الجمعة في أيرلندا، والسبت في كلّ من لاتفيا ومالطا وسلوفاكيا في حين يصوّت الناخبون في إيطاليا والتشيك على مدى يومي 7 و8 يونيو الجاري، ثم تنعقد الانتخابات في بقية دول الاتحاد الأوروبي يوم الأحد المقبل.
وتحدّد الانتخابات المقبلة أعضاء البرلمان الأوروبي دون غيرها من الهيئات التشريعية الأوروبية الأخرى.
وتشير المعطيات أنّ اليمين المتطرّف والقومي قد يحصد نسبة مقاعد هامّة قياساً بالانتخابات السابقة، فقد فاز اليمين المتطرّف والقومي في آخر انتخابات عامّة جرت في إيطاليا وهولندا، وهو يتصدّر استطلاعات الرأي في النمسا وفرنسا وبلجيكا، وهو إلى ذلك يشارك في حكومتي فنلندا وسلوفاكيا، وهو مرشّح أن يكسب عديد المواقع في أيّ انتخابات قادمة داخل دول الاتحاد الأوروبي الـ27 وخصوصاً في الانتخابات الأوروبية التي تجرى من السادس إلى التاسع من يونيو الجاري، ويصبح قوة ضاربة في البرلمان الأوروبي.
وتجد موجة صعود اليمين المتطرّف أساسها في تهاوي الأحزاب التقليدية من اليمين واليسار لعوامل عديدة ليس أقلّها الاهتراء المتواصل نتيجة ممارسة الحُكْمِ والتداول عليه، وكذلك بسبب التحوّلات الكبيرة في سياسات هذه الأحزاب وأهدافها وهي تحوّلات غيّرت من طبيعتها الأصلية التي ربطتها بحاضنتها الانتخابية.
وسواء تعلّق الأمر بأحزاب اليمين التقليدي التي أصبحت متبنية لأطروحات ومواقف اليمين المتطرّف وأحياناً بطرق مشوّهة، أو اليسار الذي فقد تدريجياً هويّته الشعبية وعلاقاته بشرائح المجتمع الضعيفة وانحرف إلى مسار نخبوي حقوقي يركّز سياساته وخطاباته أساساً على مسائل يعتبرها عامّة المواطنين الأوروبيين هامشية، ففي الحالتين تركت هذه الأحزاب التقليدية فراغاً استغلّته بشكل كبير أحزاب اليمين الشعبوي والمتطرّف والقومي، ورغم أنّها تقدّم حلولاً وهمية لمشكلات حقيقية يعانيها المواطن الأوروبي، إلّا أنّها تمكّنت مع ذلك من كسب تعاطف مزيد من الشرائح التي كانت تدلي بأصواتها لفائدة الأحزاب التقليدية بصفة تكاد تكون حصرية.
ومن المفيد والضروري توضيح أنّ تصويت هذه الشرائح لفائدة أحزاب اليمين الشعبوي والمتطرّف والقومي ليس بالضرورة انخراطاً في سياسات هذه الأحزاب واصطفافاً وراء مواقفها، قَدْرَ ما هو أيضاً تصويت عقابي ضدّ أحزاب مارست بالتداول الحُكْمَ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفشلت في تحقيق طموحات هذه الشرائح في حياة آمنة وأفضل.
وتحتلّ محاور المقدرة الشرائية والأمن والهجرة مواقع الصدارة في اهتمامات المواطن الأوروبي، ويواجه الاتحاد الأوروبي تحديات عديدة أبرزها الهجرة غير النظامية ومسألة اللجوء السياسي وهو ما يفسّر سعي المفوضية الأوروبية لوضع حدّ لهذه المشكلة من خلال الدفع نحو المصادقة على «ميثاق الهجرة واللجوء» الذي يضمن في تقديرها تحقيق أهداف ثلاثة هي، أوّلاً، محاربة الهجرة غير النظامية، وثانياً، التقليص من الهجرة النظامية، وثالثاً تعقيد سبل الحصول على اللجوء السياسي في دول الاتحاد الأوروبي.
وترى أحزاب اليمين المتطرف والشعبوية والقومي أنّ الهجرة بجميع أشكالها النظامية وغير النظامية هي سبب مباشر في مزيد تأزيم الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وهي رؤية أخذت طريقها بالتدريج إلى أحزاب اليمين التقليدي، وإنْ كان ذلك بصورة هجينة، ما جعله، كما أسلفنا الذكر، يفقد هويّته الأصلية ويفقد ناخبيه لفائدة اليمين المتطرّف.
إنّ الأهمّية القصوى لدور البرلمان الأوروبي هو الذي يفسّر إيلاء الأحزاب الأوروبية الانتخابات المقبلة مكانة أساسية في سياساتها، حتّى تلك التي ترفض أصلاً الهويّة الأوروبية وتتمسّك بهويتها الوطنية.
ولا نرى في الأمر مفارقة نظراً للصلاحيات الواسعة للبرلمان الأوروبي في السياسات العامّة الخارجية بالأساس وكذلك السياسات الداخلية للدول والتي بدأ يتّسع مجالها أكثر فأكثر.
وإنّ نتائج الانتخابات التي تنتهي يوم الأحد المقبل ستحدّد بالتأكيد مصير القارّة الأوربية وربّما موقعها ومدى تأثيرها في عالم جديد متعدّد الأقطاب.