بدعوة كريمة من الدكتور عدنان حمد الحمادي، رئيس لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والرياضة والإعلام بالمجلس الوطني الاتحادي، تشرفت بالمشاركة في الاجتماع الذي تم عقده مع عدد من الخبرات الإعلامية الإماراتية، وذلك في إطار الاجتماعات التي تعقدها اللجنة قبل رفع تقريرها وتوصياتها إلى المجلس، الذي سيناقش «سياسة الحكومة في تعزيز دور الإعلام الحكومي لتأصيل المحتوى الإعلامي وترسيخ الهوية الوطنية».
حضر الاجتماع أعضاء اللجنة، كما حضره الدكتور عمر النعيمي، أمين عام المجلس، وشارك فيه عدد من الإعلاميين الإماراتيين ذوي الخبرة في مجالاته المختلفة، أثروا النقاش الذي دار حول أربعة محاور تمت صياغتها على شكل أسئلة أربعة، هي:
- كيف يمكن للإعلام الحكومي تأصيل المحتوى وترسيخ الهوية الوطنية؟
- كيف يمكن للإعلام الرسمي استعادة دوره ورصانته أمام موجة المؤثرين وناشطي التواصل الاجتماعي في دعم القضايا التي تخدم المجتمع وتجسد توجهات الدولة؟
- كيف يمكن الاستفادة من جيل الإعلاميين المخضرمين في نقل الأحداث والمبادرات التي تجسد القوة الناعمة إلى المتلقي الخارجي؟
- هل أصبحت الحاجة ماسة إلى مرجعية لجميع وسائل ومؤسسات الإعلام في الدولة نحو التعاطي مع العالم الخارجي؟
أسئلة حمل بعضها في صياغته اعترافاً أو إشارةً إلى أن ثمة قصوراً في مكانٍ ما، من الضروري أن تتم معالجته والتعامل معه بالجدية التي تقتضيها أهمية دور الإعلام في تأصيل المحتوى وترسيخ الهوية الوطنية، اللذين يشكلان قاعدة مهمة للمحافظة على أمن الوطن واستقراره، كي تكون عملية الانتقال من الحاضر إلى المستقبل سلسة وآمنة، مثلما كانت عملية الانتقال من الماضي إلى الحاضر سلسة وآمنة أيضاً، باعتبار الإعلام عاملاً من عوامل ترسيخ قواعد الدولة للارتقاء بالوطن إلى آفاق من النهضة والتقدم، والدفع بمسيرة التنمية، مع المحافظة على أصالة مجتمع الإمارات وموروثه، وهو ما عملت على ترسيخه قيادة الدولة منذ عهد الآباء المؤسسين وحتى اليوم.
لقد كان طرح الخبرات الإعلامية الإماراتية التي شاركت في الاجتماع واضحاً وصريحاً، ذهب إلى صلب الموضوع بشفافية، معتمداً على الخبرة الكبيرة التي اكتسبوها عبر سنوات عملهم الطويلة في الإعلام، وعلى التجارب التي مروا بها، كما كانت اقتراحاتهم للحلول نابعةً من حسهم الوطني وحبهم لوطنهم، وكان تجاوب اللجنة مع ما طرحوه كبيراً ومعبراً عن رغبة أعضاء المجلس في الدفع بإعلام الإمارات إلى الأمام.
لقد كانت فكرة الاستعانة بالخبرات الإعلامية الإماراتية من قبل اللجنة، بعد أن اجتمعت مع الجهات الرسمية المختصة واستمعت لرأيها، رائعةً ومهمةً، تدل على تقدير أعضاء اللجنة لدور هذه الخبرات في صنع تاريخ إعلام الإمارات، وضرورة مشاركتها في تصور شكل مستقبله، مع الوضع في الاعتبار ما وصل إليه الإعلام ووسائله وتقنياته من تطور في عصرنا الحاضر.
هنا تحضرني مقولة سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي رئيس مجلس دبي للإعلام، في تقديم سموه لكتاب «رواد إعلام دبي» الذي أصدره المجلس بمناسبة تكريم رواد إعلام دبي، عندما قال سموه: «ستظل استشارات الرواد ومقترحاتهم دائماً ضمن استراتيجيتنا وخطط عملنا.. انطلاقاً من ثقتنا الكاملة في قدراتهم وأفكارهم التي تشكل الأساس الذي نتطلع إليه لبناء المستقبل الإعلامي لدبي.. فالرواد هم سر نهضتنا والشباب هم صناع مستقبلنا».
المحافظة على الهوية الوطنية ضرورية لتحقيق النجاح في إيصال الرسالة التي يجب أن يحملها الإعلام إلى المتلقين. وللإعلام الحكومي، على وجه الخصوص، رسالة مهمة صاغها مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الكلمة التي ألقاها بصوته عند افتتاح إذاعة أبوظبي في 25 فبراير من العام 1969م، وحث فيها على التمسك بالقيم الإسلامية والعربية والروحية، وبالعادات والتقاليد التي ورثناها عن الآباء والأجداد. وهي الكلمة التي ستبقى دستوراً لإعلام الإمارات في كل العصور، مهما تطورت الوسائل والتقنيات واختلفت الوسائط.
تأصيل المحتوى الإعلامي وترسيخ الهوية الوطنية ليسا عملية مستحيلة إذا صدقت النيات، وإذا اعتبرنا الإعلام رسالة أكثر منه وسيلة لتحقيق الربح، لأن السعي إلى تحقيق الربح يضطر الوسيلة الإعلامية أحياناً إلى التنازل عن بعض الشروط وتجاوز بعض الخطوط، مثلما يفعل بعض المؤثرين، وهو ما لا يستطيع أن يفعله الإعلام الرسمي الرصين.