هل تذكرون خليفة، ذلك المواطن الإماراتي الذي اتصل به مندوب إحدى شركات الاستثمار، كي يقنعه بتوظيف أمواله، فأحرجه خليفة بكلامه الطيب الصادر عن معاناة مريرة مع المندوبين والمروجين للعقارات، وبعض السلع والخدمات، الذين يقتحمون هواتفنا بمثل هذه الاتصالات المزعجة طوال ساعات اليوم، غير مفرقين بين أوقات العمل وأوقات الراحة؟.
كنت كتبت عنه مقالاً في هذا المكان في سبتمبر من العام الماضي، عنوانه «حدّ قال لك اتصل بخليفة؟». وذكرت في المقال تفاصيل المكالمة، التي طلب خليفة من المندوب في نهايتها أن يمسح رقم هاتفه من قائمتهم، فرد عليه المندوب الذي كان مرتبكاً طوال المكالمة: «أبشر.. أبشر.. خلاص.. أبشر».
ربما يكون المندوب وفى بوعده فعلاً، فلم يعاود الاتصال بخليفة مرة أخرى، لكن مئات، إن لم يكن آلاف، المندوبين غيره، ظلوا يتصلون بخليفة وغير خليفة من عباد الله المغلوبين على أمرهم، الذين لا يستطيع أغلبهم تجاهل الأرقام غير المسجلة في هواتفهم، خشية أن تكون من جهات رسمية، أو لأمر مهم له علاقة بهم وبأسرهم، فيردون عليها ليجدوا على الخط الآخر مندوبين يروجون لأشكال وألوان من السلع والمشاريع العقارية، أو يعرضون عليهم استثمار أموالهم، وهم الذين لا يملكون إلا الكفاف، حتى جاءت البشارة قبل أيام من وزارة الاقتصاد وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات والحكومة الرقمية، على شكل قرار يضع ضوابط وآليات تنظم التسويق عبر المكالمات الهاتفية، ويضع لائحة مخالفات وجزاءات إدارية مرتبطة بالقانون، الذي سوف يبدأ تنفيذه اعتباراً من منتصف أغسطس القادم.
وربما لهذا يكثف المندوبون اتصالاتهم بنا هذه الأيام. وقد تساءل كثيرون عن سبب تأجيل تنفيذ القانون إلى أغسطس، كما تساءلوا عن سبب التأخر في إصدار القانون، لكنهم قالوا: أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.
أعتقد أن أسعد الناس بصدور هذا القانون هو خليفة، الذي انتشرت مكالمته عبر وسائط الاتصال الاجتماعي، وتم تداولها في مجموعات الواتس آب بشكل كبير.
والحقيقة أننا جميعاً سعداء بالقانون الذي تضمن 18 نوعاً من المخالفات والجزاءات الإدارية، ستفرض على الشركات المخالفة لأحكام القرارات الصادرة بشأن التسويق عبر المكالمات الهاتفية، حيث تبدأ الغرامات من 10 آلاف درهم، وتصل إلى 150 ألف درهم، على الشركات المرخصة التي تخالف القانون، بينما تتدرج من 5 آلاف درهم لتصل إلى 50 ألف درهم على الأفراد الذين يقومون بإجراء مكالمات هاتفية تسويقية لمنتجات أو خدمات باسمهم، أو اسم من يوكلونهم، من رقم هاتف ثابت أو متنقل، مسجل باسم الشخص الذي يجري المكالمة، وقطع جميع أرقام الهاتف الثابت أو المتنقل المسجلة باسمه لمدد مختلفة.
قرار أثلج صدور الجميع، باستثناء أولئك الذي لا نعرف سوى أصواتهم، ونتوقع ألوان وجوههم تبعاً للردود التي يسمعونها من الذين يجلسون على الجانب الآخر من خط الاتصال، ويقررون شكل الرد المناسب تبعاً لصوت المتصل وأسلوبه في تسويق السلعة أو الخدمة التي يروج لها، وتبعاً لحالتهم النفسية، والوقت الذي يتصل المروجون فيه، وإن كان أغلبهم لا يتصلون إلا عندما نجلس حول المائدة لتناول وجبة غدائنا، أو عندما يضع الواحد منا رأسه على المخدة لأخذ قيلولة قصيرة بعد الغداء.
ما يلفت النظر في القرار أيضاً، أنه حدد وقت المكالمات التسويقية خلال الفترة من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة السادسة مساء، وحظر الاتصال خارج هذه الفترة، ومنع معاودة الاتصال بالمستهلك في حال رفضه للخدمة أو المنتج في المكالمة الأولى، ومنع الاتصال أكثر من مرة في اليوم، في حال عدم رد المتلقي على الاتصال أو إنهائه للمكالمة، وأتاح للمستهلك تقديم شكوى للسلطة المختصة بخصوص المكالمات التسويقية المخالفة.
كلمة «أبشر»، التي قالها مندوب الشركة التسويقية لخليفة قبل عام تقريباً، لم تذهب هباءً إذن، وإن كان تنفيذها لم يأتِ من ذلك المندوب هذه المرة، لتبدأ مرحلة جديدة في تعاملنا مع مندوبي الشركات التسويقية، خصوصاً الذين يصرون منهم على معرفة سبب عدم رغبتنا في السلعة أو الخدمة التي يروجون لها، ويضطروننا لغلق الهواتف في وجوههم، وهو تصرف لا يليق بنا ولا بهم، ويجعلنا نشعر بالأسف تجاه أنفسنا وتجاههم.