هذا العام (2024) موسم انتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية. الانتخابات لا تقتصر على الرئاسة والوصول إلى سدة البيت الأبيض، رغم أنه العنوان الأبرز، بل تتعداه إلى انتخابات أعضاء مجلس النواب الـ 435، إضافة إلى ثلث أعضاء مجلس الشيوخ أو السنت.
الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض ومجلسي التشريع في الكونغرس يمتلك مفاتيح السياسات العامة الداخلية والخارجية. والنزاع في السياسة هي حول ــ كما قال عالم السياسة الأمريكي هارولد لاسويل ــ من يحصل على ماذا، ومتى، وكيف؟
إذا كان هذا جوهر السياسة فلماذا الاحتدام السياسي في الولايات المتحدة؟ الأمريكيون منقسمون حول قضايا عديدة. وانقسامهم عميق وواسع. لم تشهد الولايات المتحدة مثل هذا الانقسام منذ الحرب الأهلية في ستينيات القرن التاسع عشر.
ما هي القضايا التي ينقسم حولها الأمريكيون في هذا الموسم الانتخابي؟ هناك عدة قضايا يتنازع عليها الناخب الأمريكي. وأول هذه القضايا هي قضية الإجهاض. لم تعد قضية الإجهاض قضية دينية واجتماعية فحسب، بل هي قضية هوية سياسية بامتياز. صحيح أن هناك بعدين ديني واجتماعي لمسألة الإجهاض، إلا أن كونها قضية هوية سياسية تفوقت على الاعتبارات الأخرى.
فعلى سبيل المثال، زواج المثليين هي قضية دينية واجتماعية بيد أنها لا تجتذب نفس الحماس أو العواطف التي تستقطب مناهضة الإجهاض. وقد يتعجب الفرد أن يعارض أغلبية الجمهوريين الإجهاض بينما يؤيد ثلثي الجمهوريين في مجلس الشيوخ حقوق المثليين.
والمرشحان الجمهوري والديمقراطي على طرفي نقيض في قضية الإجهاض. فالرئيس بايدن والحزب الديمقراطي يؤيدان حق المرأة في الإجهاض ضمن ضوابط معينة. بينما الجمهوريون يعارضون الإجهاض وأصبح الإجهاض محرماً في كثير من الولايات الأمريكية بعد الحكم الشهير للمحكمة العليا من قبل قضاة رشحهم دونالد ترامب أثناء رئاسته بإعطاء الولايات الحق في تقرير جواز أو عدم جواز الإجهاض.
ويسعى بايدن ومؤيدوه من الحزب الديمقراطي إلى تشريع فيدرالي لحماية صحة النساء وحقهن في الإجهاض. وهذا القانون لن يقر إلا إذا نجح الديمقراطيون في السيطرة على البيت الأبيض والمجلسين التشريعيين في الكونغرس. ولهذا السبب تصبح الانتخابات هذه السنة مهمة لكلا الطرفين.
وحسب الـ«بي بي سي» يختلف المرشحان وحزباهما على الضرائب. إذ يرى بايدن بضرورة رفع الضرائب إلى مستويات قريبة من تلك التي سادت قبل فترة ترامب الرئاسية. كما يدعو بايدن إلى رفع الضرائب على الأغنياء ومحاربة التحايل الضريبي لتحقيق قدر أكبر من المساواة.
بينما يدعو خصمه ترامب إلى تخفيض الضرائب على كافة المستويات وعلى الحفاظ على ضريبة دخل على الشركات الكبرى منخفضة نسبيا بحدود 21%. وزيادة التعرفة الجمركية على الواردات إلى 10% عدا التعرفة الجمركية للواردات من الصين والتي يقترح أن تكون مرتفعة إلى نسبة 60%.
أما في الشأن الخارجي، فإن استطلاعاً نشره معهد «بروكينز» الشهير أن هناك انقساماً حاداً في التوجهات الرئيسة نحو السياسة الخارجية. وكما يقول الاستطلاع فإن الانقسام بين فئتين رئيسين. الأولى ونسبتها 45% ترى أن العالم جميل بوجه عام وفيه أناس خيرون وعلينا أن نترابط مع بعض ولا نبقى منعزلين. وأما الفئة الثانية وهي بنسبة 42% ترى أن حياتها مهددة من قبل الإرهابيين والمجرمين والمهاجرين غير الشرعيين ويجب أن تكون الأولوية حماية البلاد والمواطنين. والبقية القليلة لم تحدد موقفها من الكتلتين.
هناك تفاصيل مهمة في الاستطلاع وفوارق بين الكتلتين حسب العمر والجنس والانتماء الحزبي لا يسع المجال لمناقشتها هنا. ولكن المهم أن اتسع الخرق على الراقع. وهكذا تصعب حوكمة النظام السياسي: وإِنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ.