يوم الجمعة الماضي، 21 يونيو، احتفل العالم بيوم «الأب العالمي». في هذه المناسبة غرد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مستذكراً والد سموه ووالد كل الإماراتيين، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قائلاً: «ولا نزال نرى فيك الوطن والأب والمعلم..».

هذه التغريدة المفعمة بحب الأب ذكرتنا بما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وما كتبه في كتاب «قصتي» عنه وعن والدته المغفور لها الشيخة لطيفة بنت حمدان آل نهيان، رحمها الله، من كلمات عظيمة ومؤثرة، وما عبر عنه من إحساس سموه بالفقد عند موتهما، وكيف ترك غيابهما في حياته فراغاً لم يستطع أحد أن يملأه.

في هذه المناسبة أيضاً احتفى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بيوم الأب العالمي عبر حسابه في منصة «إكس»، فنشر سموه مقطع فيديو لوالده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، قائلاً: «من يشبهك يا أبي.. والدنا وقائدنا وقدوتنا». وفعل الشيء نفسه سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، في تغريدة لسموه على منصة «إكس»، قال فيها: «في يوم الأب العالمي نستحضر قيم الأبوة النبيلة التي أرساها الوالد الشيخ زايد، طيب الله ثراه. كان لنا ولا يزال المثل والقدوة بجميل صنعه، وإخلاصه وحكمته وعطفه».

هذه الكلمات الصادقة التي عبر بها قادة الإمارات عن مدى حبهم وتقديرهم لآبائهم تدل على المكانة الرفيعة التي يحتلها الآباء والأمهات في قلوب الأبناء، لأن الأب والأم يبقيان القلب الرؤوف، الذي لا يمكن أن يقسو على أبنائه، حتى لو قسا قلب الابن على أبيه أو أمه. ولهذا فإن أمير الشعراء أحمد شوقي حينما أراد أن يصف رسول الإنسانية نبينا محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، بالرحمة لم يجد سوى الأم والأب كي يشبهه بهما، فقال: وإذا رَحِمتَ فأنتَ أمٌّ أو أبٌ هذانِ في الدُنيا هُما الرُّحَماءُ.

ربما لا يدرك الأبناء وهم صغارٌ القيمة التي يمثلونها في حياة آبائهم وأمهاتهم لصغر سنهم وقلة خبرتهم في الحياة، وربما اعتقدوا أن الأب والأم يمارسان سلطتهما الأبوية للاستقواء عليهم، ويرغمانهم على تنفيذ أوامرهما لمجرد الإحساس بهذه السلطة على من يملكان فرضها عليهم، لكنّ يوماً سيأتي، قرُب هذا اليوم أو بعُد، سوف يدرك الأبناء فيه، عندما يحتلون هم مكان الآباء والأمهات، أن شعورهم هذا لم يكن سوى مجرد وهمٍ صورته لهم عقولهم التي لم تكن نضجت بعد، ونفوسهم التي كانت مقبلة على الحياة، تلك النفوس التي لا تفرق بين ما هو في مصلحتها وبين ما سيضرها في مقبل الأيام. لكنّ لحظة الإدراك هذه قد تأتي، مع الأسف، في وقتٍ يكون فيه الأب أو الأم قد غادرا الحياة وأصبحا مجرد ذكرى في حياة أبنائهم، وقتها سوف يشعر الأبناء بالندم، والندم ساعتها لا يعيد الزمن إلى الوراء، حتى لو سالت دموع الأبناء أنهاراً وملأت الأرض من مشرقها إلى مغربها.

في مناسبة عيد الأب، والأم أيضاً، نستذكر آباءنا وأمهاتنا الذين رحلوا عن الدنيا، ونستذكر مواقفهم معنا، فنتمنى لو أن عقارب الساعة تعود إلى الوراء كي نقبل رؤوسهم وأيديهم وأقدامهم، بعد أن ألهتنا شؤون الحياة عن الارتواء من تقبيلها عندما كانوا على قيد الحياة بيننا، يتطلعون إلى أن نكون أفضل منهم، فالأب والأم هما الوحيدان اللذان يتمنيان أن يكون أبناؤهما أفضل منهما في هذه الحياة التي تعلمنا دروساً لا نستوعبها إلا بعد فوات الأوان.

أقول لكل الأبناء والبنات الذين ما زال آباؤهم وأمهاتهم على قيد الحياة: أنتم في نعمة لن تعرفوا قيمتها إلا عندما تفقدون أحدهما أو كليهما، فحافظوا على هذه النعمة.. لا تفرطوا فيها فتندموا حين لا ينفع الندم.