أعلن رئيس حزب «التجمع الوطني» في فرنسا اليميني المتطرف والمرشح بقوة للفوز بالانتخابات البرلمانية المبكرة جوردان بارديلا، أن بلاده لن تعترف بالدولة الفلسطينية، وبرر موقفه بالقول إن «الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن يخدم الإرهاب والإرهابيين».
ونزل بارديلا موقفه في إطار ما أسماه «انسجام ووحدة الموقف الرسمي الفرنسي من مسار السلام في منطقة الشرق الأوسط».
ويأتي هذا الموقف من الحزب اليميني المتطرف أولاً، في سياق داخلي فرنسي تميز بحملة انتخابية محمومة احتلت فيها السياسة الخارجية للأحزاب مكانة محورية وتركزت بالخصوص على مسألتين أساسيتين، الحرب الروسية الأوكرانية وتطورات الأحداث في غزة والضفة الغربية، وثانياً، في سياق دولي وإقليمي أوروبي بالخصوص بدأ بكسر حواجز الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفق ما أقرته قرارات الشرعية الدولية.
وقد دُفع الرئيس الفرنسي إلى تحديد موقف فرنسا من موجة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية المستقلة، بالتأكيد على أن «توقيت الاعتراف بها الآن غير مناسب ولا يخدم مسار سلام دائم في المنطقة».
وفي المقابل يقف اليسار الفرنسي عموماً على نقيض هذه المواقف ويشدد على ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، ويرى في ذلك حلحلة لمسار سلام معطل منذ توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993.
وتوجه أصابع الاتهام لمكونات اليسار وخصوصاً حزب «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه جون لوك ميلنشون «بمعاداة السامية»، وذلك على خلفية المواقف المنتقدة لسياسة حكومة بنيامين نتانياهو في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصاً ما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم أكدتها الشواهد وأثبتتها المسارات القضائية الدولية المختلفة.
وتتحد مواقف اليمين المتطرف مع المواقف الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخصوص القضية الفلسطينية والموقف من دولة إسرائيل، وذلك تحت تأثير مباشر للوبي الصهيوني النافذ في فرنسا والذي يسيطر بشكل كبير على فضاءات التواصل والاتصال والإعلام عموماً.
وقد ساهمت مختلف وسائل الإعلام والاتصال في توجيه الرأي العام الفرنسي نحو إيلاء مسألة معاداة السامية المكانة الأهم في الحملة الانتخابية للاستحقاق البرلماني، وقد ساهم إغراق المشهدين السياسي والإعلامي بمسألة «معاداة السامية» في حالة التباس أدت إلى اعتبار نقد سياسات إسرائيل وحكومة نتانياهو والسياسات الصهيونية الهادفة إلى القضاء المبرم على حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية وإقامة دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية على جورها في حق الشعب التاريخي، «معاداة للسامية».
إن المتمعن في المشهد السياسي والحزبي الفرنسي يعاين بوضوح أمرين أساسيين، أولهما، أن اللوبي الصهيوني يمسك بتلابيب أغلب المواقف والسياسات لما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، وباستثناء مواقف الأحزاب اليسارية والتقدمية عموماً التي، ولاعتبارات فكرية وأيديولوجية أحياناً تساند الحق الفلسطيني في إطار مبدأ «حق الشعوب في تقرير مصيرها»، فإن باقي المشهد الحزبي والرسمي انحرف عن منطوق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
وثاني الملاحظات أن الموقف الفرنسي بدأ يشهد هو الآخر خروجاً عن المسار التقليدي للدبلوماسية الفرنسية التي كانت الأقرب أوروبياً ودولياً في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، ويرجع الملاحظون هذا التغيير في المواقف إلى ما يعرفه المجتمع الفرنسي من نزوع متواصل نحو تجدر الفكر اليميني القومي المتطرف، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولأسباب انتخابية، إلى الرضوخ لإملاءات اليمين المتطرف واللوبي الصهيوني النافذ.
ومع تأكد أن مصير الدولة الفلسطينية دخل لعبة الانتخابات الفرنسية وغيرها، وجب على الفلسطينيين أولاً، أخذ مصيرهم بأيديهم بمواصلة التمسك بما يؤمنه له القانون والشرعية الدوليين، بعيداً عن كل منطق سريالي، وثانياً، تقوية الجبهة الداخلية بعيداً عن كل الأجندات الخارجية التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى متاهات غيبت الحق الفلسطيني وأدخلت الجميع في حرب مفتوحة غذتها إسرائيل وساهمت في إشعال فتيلها.
وثالثاً، ضرورة إيلاء الذاتي للاستحقاق الديمقراطي الأهمية القصوى، حتى لا يفرض على الفلسطينيين من الخارج وعلى مقاس أجندات إقليمية ودولية.
ورابعاً، الاقتناع التام بأن مصير فلسطين والفلسطينيين مرتبط أشد الارتباط بمحيط إقليمي وعربي يقوم على الإسناد الرسمي والشعبي ويفترض وجود علاقات وثيقة وطيبة مع هذا المحيط الذي يؤمن بأن حل القضية الفلسطينية هو مفتاح الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة.