منذ يوم أمس الجمعة بدأ السباق الرئاسي عملياً في الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى مقر البيت الأبيض، من خلال المناظرة الرئاسية الأولى التي يتابعها الملايين من الناخبين الأمريكيين والملايين من قيادات وحكومات وشعوب العالم بين المرشحين الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، والرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن (الأكبر سناً في التاريخ الأمريكي)، وقد وصفت المناظرة بأنها تاريخية وبعضهم وصفها بالمصيرية، واعتبرت المناظرة تاريخية لأنها جمعت الرئيس الحالي والرئيس السابق، بالإضافة إلى أن الرئيس السابق «ترامب» مدان بعدد من القضايا جنائياً، وفي الجانب الآخر ابن الرئيس الحالي «بايدن» مدان جنائياً.

وقبل المناظرة أظهرت نتائج استطلاعات «ليجر» أن ترامب يحظى بثقة 42% من المشاركين في الاستطلاع الذين يعتقدون أنه سيفوز في المناظرة الأولى، في مقابل 29% فقط ممن يعتقدون أن بايدن سيفوز، أما 29% غير متأكدين من سيكون الفائز، أما بعد المناظرة فقد أظهر استطلاع لشبكة (CNN) الأمريكية التي استضافت ونظمت المناظرة أن 67% من الناخبين الأمريكيين الذين تابعوا المناظرة يعتقدون أن الرئيس السابق «ترامب» قد كسب المناظرة وتفوق على الرئيس الحالي «بايدن» الذي حظي بنسبة 33% فقط «مع أن المتداول أن بايدن قد تدرب جيداً واستعد للمناظرة عملياً».

ولحين موعد المناظرة الثانية المقرر عقدها في سبتمبر المقبل، وحتى بدء التصويت في الانتخابات الرئاسية وظهور النتائج النهائية للإعلان عن الرئيس الأمريكي المنتخب، سيكون الرأي العام الأمريكي والعالمي تحت مجهر وسائل الإعلام وخصوصاً الأمريكية التي ستعمل على التأثير وتوجيه الرأي العام حسب أجندتها الخاصة ورغباتها بحيث تعزز لديهم آراء وقناعات معينة لتوجيههم وكسب أصواتهم.

طبعاً الانتخابات الأمريكية شأن أمريكي داخلي ينتخب من خلالها الشعب الأمريكي رئيسه القادم بناءً على مصالحهم التي يأتي على رأسها الاقتصاد والوظائف والسكن، ومن النادر أن يهتم الفرد الأمريكي بالسياسة الخارجية، لكن رغم أن الانتخابات الأمريكية شأن أمريكي داخلي إلا أنها تحظى باهتمام ومتابعة دولية لما للولايات المتحدة من تأثير عالمي باعتبارها القوة العظمي الوحيدة حتى الآن في النظام الدولي، وهذا ما يعطي الانتخابات الأمريكية صفة «العالمية» تجاوزاً.

من الطبيعي أن تتابع الحكومات في مختلف دول العالم نتائج الانتخابات الأمريكية حتى تكون جاهزة للتعامل مع الرئيس القادم بناءً على رؤية واستراتيجية محددة وواضحة تضمن لهم تحقيق مصالحهم الوطنية من خلال فهم وتحليل شخصية الرئيس للتعامل معه بالطريقة التي تضمن لهم تحقيق أهدافهم، إلا أن ما يميز الانتخابات الأمريكية المقبلة أن كلا المرشحين معروف وتم التعامل معه من قبل حكومات الدول إلا إذا انسحب أحد المرشحين وتم ترشيح شخص آخر «هذه السيناريو مطروح وإن كان ضعيفاً».

من المفترض والمتوقع أن تقوم الحكومات العربية كغيرها من الحكومات بوضع خططها وبرامجها التي تسعى من خلالها لتحقيق مصالحها العليا عبر العلاقة مع الولايات المتحدة، وهذا واضح بالنسبة للقيادات الخليجية الواعية والمتمكنة من التعامل مع أي حكومة أمريكية سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية وهذا ما يثبته الواقع.

لكن الشيء غير الطبيعي الذي يتكرر دائماً مع كل جولة مناظرات أو انتخابات أمريكية هو الرأي العام العربي الذي يتفاعل مع الانتخابات الأمريكية بعاطفة قوية غير منضبطة، بل أحياناً تشعر أن التفاعل الشعبي العربي ليس تفاعلاً أكثر من التفاعل الشعبي الأمريكي، بل تشعر كأنه تفاعل وحماس مع مباراة نهائي في بطولة عالمية لكرة القدم، وكل طرف يتمنى فوز فريقه المفضل.

نقول ونكرر دائماً إن قراءة الأحداث والتفاعلات السياسية لا تتم عبر العواطف والرغبات والأمنيات، كما أن الرئيس الأمريكي يسكن ويستقر في البيت البيض للعمل وتحقيق مصالح الشعب الأمريكي، لا لتحقيق رغبات وأمنيات الشعوب الأخرى، لقد تذكرت عند إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية السابقة وإعلان فوز الرئيس الأمريكي الحالي «جو بايدن» فرح البعض واعتبره انتصاراً له وخسارة للفريق العربي الآخر، وبعد اتخاذ الرئيس «بايدن» لبعض القرارات والسياسات وتراجعه عن تصريحاته، وذلك حسب المصالح الأمريكية التي تقررها الإدارة الأمريكية، أصيب هؤلاء بالصدمة والخذلان، نعود ونذكر أن التصريحات في فترة الانتخابات شيء والقرارات والسياسات عند تسلم المنصب الرئاسي شيء آخر، وفي ما مضى تجارب وعبر.