سألنا ما القارئ ولم نسأل من القارئ، وغايتنا من السؤال أن نكشف عن من يصدق عليهم مفهوم القارئ، وهذا يعني أن نكشف عن ماهية القارئ.
تفترض القراءة علاقة بين قارئ ونص ليس هو كاتبه. إذاً القراءة علاقة بين الأنا والآخر، بين قارئ ومقروء. هذه العلاقة تجعل من فعل القراءة امتلاكاً خاصاً للمقروء، إذاً تتحول القراءة إلى علاقة بين ذات وموضوع، إن الموضوع ـ النص وقد خرج من عقل المؤلف صار موضوعاً لقارئ يتخذ منه موقفاً.
وهنا يتحول النص ـ الموضوع إلى عدة نصوص بفعل تعدد القارئين. إذاً القارئ - الذات يتعين في فعل القراءة على أنحاء مختلفة.
القارئ المبدع
يتخذ القارئ المبدع من القراءة موضوع نقد وإنتاج أسئلة جديدة، فالمقروء هنا لا يتحول إلى بضاعة في صندوق، بل يتحول إلى منصة لقول مختلف، فالمبدع لا يحب التشابه والتقليد.
القارئ المتخصص
والقارئ المتخصص هو مهني وغالبية الأكاديميين والمدرسين، والنقاد الأدبيين ينتمون إلى هذا الصنف. فيزيدون من حرفيتهم بما يتابعون من ثراء حول موضوعاتهم. لكنهم في أغلبهم لا ينتمون إلى القارئ المبدع.
القارئ الهاوي
وهو الذي يهوى القراءة بدافع التثقف والمعرفة والمتعة وليس لديه أي موقف مسبق من المقروء كهواة قراءة الرواية أو الشعر أو الفكر، وتقويمه لما قرأ لا يصدر إلا عن الأثر الذي تركه النص في نفسه. وهذا الصنف من القراء هم الأكثرية.
القارئ معرفة
فحين يقرأ شاعر نص شاعر آخر أو ناقد يقرأ نصاً أدبياً فإنه يقرأ هذا بعين العارف المختلف والمتفق والمتأمل والمؤمل. إن القارئ العارف يبني علاقة معرفية ومتعة بالنص، وفي ضوء هاتين القيمتين يبني العلاقة المبرأة من الموقف المسبق مع المقروء.
القارئ ثقافة
فالتكوين الثقافي للقارئ هو العين التي يرى فيها النص، هو الذهنية التي تخلق الموقف من المقروء. فالتكوين الثقافي لشخص ليس هو المعرفة المرتبطة بموضوع القراءة بل الثقافة التي تحدد مستوى وعيه الكلي.
القارئ المنحاز
الانحياز هنا لا يؤثر بقراءة النص السياسي أو الفكري فقط بل كل انحياز كان، فالذي لا يرى الشعر إلا الشعر المقفى والملتزم ببحور الشعر، فإنه يقرأ قصائد النثر أو التفعيلة من موقع انحيازه الشعري المختلف والذي ينظر سلبياً إلى ما يخالف انحيازه، وهذا ينطبق على قراءة النص الفلسفي الذي يخضع للانحيازات.
القارئ الأيديولوجي
وأخطر أنواع القراء هو القارئ الأيديولوجي، فالأيديولوجي بعامة لا يعترف بالآخر المختلف وينطلق في قراءته من الحقيقة الأيديولوجية المطلقة التي يؤمن بها، هذا الإيمان بالحقيقة الأيديولوجية تمنعه من إقامة أي حوار مع النص المختلف، وإن أراد التعبير عن اختلافه توسل الشجار والسب للآخر.
القارئ الكاره أو المحب للكاتب
من نحن هنا لنتحدث عن ثقافة القارئ وانحيازه ومعرفته بل عن موقف شخصي من كاتب النص الذي ينعكس في قراءة النص. فالذات الكارهة أو المحبة للنص تعلن هزيمة الموقف الموضوعي من النص، لأن الحب والكره عاطفتان ليستا إراديتين. والموقف الشخصي غالباً من يصدر عن قارئ ذي تجربة شخصية مع كاتب النص وتأسيساً على هذه التجربة يصدر أحكامه حول النص. وعالم المثقفين مليء بهذه الظاهرة، وأكثر أسباب وجودها خصلة الحسد.
فتأمل أيها القارئ العزيز كم قراءة تنتج عن هؤلاء القراء؟ أرأيت إلى تعينات المفهوم المجرد حين نسأل ما القارئ ؟
بل وأنت تقرأ تأمل ذاتك وتساءل: لمن أنتمي مما ذكرته، أم هناك حال لم تخطر على بالي.
عندها ننتقل من سؤال ما القارئ إلى من هذا القارئ أو ذاك، ومن أنا بوصفي قارئاً.
أما إذا تحولت القراءة إلى مناسبة لكتابة نص على نص فإنها تظهر ماهية قارئ بعينه.