الإتيكيت ليس مقصوراً على آداب المائدة والعلاقات الاجتماعية والدبلوماسية فحسب، بل حتى سماعة الهاتف لها بديهيات في الإتيكيت.
فعندما يتصل بك أحد المسوّقين مرات عديدة بحجة أنك لم ترد، أو «يسرق» رقمك من شركة أخرى، أو يهاتفك في مواعيد غير مناسبة ليلاً؛ هنا تكتشف أنك أمام معضلة عدم المهنية. وهي باختصار أسوأ صورة يمكن أن يرسمها المتصل عن شركته التي لا يبدو أنه قد تلقى منها تدريباً جيداً.
كل ذلك سيصبح من الماضي، على الأقل في الإمارات، بعد قرار صدر يتوعّد من يقومون بالاتصالات التسويقية بغرامات تصل إلى 150 ألف درهم، وقد تصل إلى حد إلغاء الترخيص، والحرمان من خدمات الاتصالات في الدولة لمدة عام، وقد تضطر معه الجهات إلى وقف مزاولة النشاط كلياً أو جزئياً بحسب جسامة المخالفة المرتكبة، اعتباراً من أغسطس المقبل (2024).
كان من المهم أن يكون للشركات إتيكيت عصري وصارم، لكن يبدو أن الأمر قد خرج عن نطاق السيطرة، فاضطرت الجهات الرقابية إلى وضع قرارات رادعة. منها عدم أحقية أي شركة بالاتصال على الفرد بعد السادسة مساء، وحظر الاتصال بالأرقام المسجلة في قوائم «عدم الاتصال».
وحظر الاتصال بهواتف مسجلة بأسماء أفراد، ومنع معاودة الاتصال بالمستهلك في حال رفض ما قدم له من خدمة أو منتج في المكالمة الهاتفية الأولى. مشكلتنا أن كل امتعاض تبديه لا يجدي نفعاً، لأن هواتف العملاء أصبح يتم تداولها بين الشركات من دون موافقة العملاء، وهي مشكلة عالمية.
وفي أبجديات الاتصال التسويقي، مهارة حديث المصاعد «elevator pitch» وهي كيف تعبّر عن نفسك أو منتجك أو خدمتك في غضون ثوانٍ معدودة لشخص قبل أن يفتح باب المصعد. هي مهارة فائقة تتطلب عرضاً ذكياً يضمن إجابات عن أسئلة رئيسة، وهي «ما هي الخدمة» باختصار؟ لماذا تهمني؟
وكيف أستخدمها أو أشترك فيها أو أشتري ذلك المنتج. المران والتدريب يُفترض أن يصقلا مهارة المتصل. ولذلك تتفاقم المشكلة عندما يأتي فرد من خارج ثقافة البلد المحلي ولا يراعي نفسية من يتصل بهم والإشارات (اللطيفة) الدالة على أن صبرهم قد نفد، فيطيل الحديث ويزيد ويعيد حتى «يطفش» المستمع ويصب جام غضبه على المتصل الذي يعوزه الإتيكيت والفهم العميق لثقافة من يتعامل معهم.
ولذلك تقدم كبريات الشركات العالمية تدريباً عميقاً لكل من يمسك بسماعة الهاتف. منها شركة أبل وشركة أمازون وغيرهما.
المفارقة أن البعض يعتقد بأن المصارف وشركات الاتصالات تعاقب المتقدم الجديد للوظيفة «بإلقائه» في قسم «الكول سنتر» لكنها في الواقع تحاول صقل مهاراته على فهم العميل، وإدارة حوار مختصر ومباشر، وفهم شتى الخدمات والمنتجات، والإجابات عن قائمة لا حصر لها من الأسئلة.
يمكن أن نقول إن مراكز الاتصال «تقوي جلد الفرد» شريطة أن يأخذ تدريباً أولياً ويشهد مراقبة من خبراء يفوقونه خبرة حتى لا يتعلم على حساب العملاء وسمعة المنظمة.
هذا الصوت الذي ينبعث عبر أثير الهاتف يبني عماداً من الثقة أو يهدمه إذا تكررت اللامبالاة أو الافتقار إلى آذان الفهم المصغية. ففي ثنايا كل مكالمة رسالة لا يدركها سوى المتصل «الفطن» والمدرب تدريباً احترافياً. ومن أدوات التدريب أن يرخي السمع جيداً ليسمع تفاصيل «نَفَس» متلقي المكالمة ومدى امتعاضه (عبر الزفير العميق أو التأفف الخفي).
كما أن المكالمة الذكية هي التي يستعد فيها المتصل جيداً قبل أن يرفع السماعة، ففاقد الشيء لا يعطيه.
في السابق كان الممتعض من الاتصالات يفرغ غضبه فيمن حوله برواية القصة فيطوي الحكاية النسيان. الآن صار يذيعها على الملأ بالصوت والصورة وتبقى في الإنترنت ردحاً من الزمن. ومن هؤلاء من تبلغ شكاواهم ملايين المتابعين. وكفى بذلك سمعة سيئة. والسبب التهاون في خطورة «آداب سماعة الهاتف».