الإرهاب خطر داهم يهدد المجتمعات والدول، ويقوض أمنها واستقرارها، ويبث الخوف والرعب في نفوس أبنائها، ويحول سعادتهم وراحتهم إلى تعاسة لا تطاق، ويستنزف مواردهم، ويدمر اقتصادهم، ويهدد حياتهم وحياة أسرهم وأبنائهم، وهو داء عضال فتاك ومعد، حيث تسعى التنظيمات الإرهابية إلى استقطاب المناصرين والذئاب المنفردة التي تنفذ أهدافهم، إما كمرتزقين أو متأثرين فكرياً أو منخدعين بالدعايات والشعارات الزائفة.
ولذلك باتت مكافحة الإرهاب مطلباً في غاية الأهمية لترسيخ الأمن والاستقرار في المجتمعات، وذلك بمحاصرته محاصرة شاملة، والتصدي له عبر مختلف المسارات، لتجفيف منابعه الفكرية والدعائية والتمويلية والتنفيذية.
ومن أهم هذه المسارات وآكدها مسار الوقاية والتحصين، وذلك عبر خطط توعية استراتيجية تستهدف مختلف شرائح المجتمع، وتتضمن مخرجات عدة لمكافحة الإرهاب، منها بيان أخطاره وأضراره على الفرد والمجتمع والوطن، وكشف أساليب الإرهابيين ووسائلهم وطرقهم في التغرير والاستقطاب والتجنيد.
وتكريس القيم الإيمانية والوطنية التي تحول دون وقوع الفرد ضحية لشبهاتهم ودعاياتهم، وتعزيز مبادئ الوسطية والاعتدال والعقيدة الصافية الصحيحة التي هي ترياق من الإرهاب والتطرف، وخصوصاً ما يتعلق بمواضيع طاعة ولي الأمر وتحريم مخالفته ووجوب توقيره والالتفاف حوله وبيان اختصاصه الحصري بحرمة الدماء وحقوق المستأمنين واحترام الدولة الوطنية والالتزام بالقوانين وتوضيح المفاهيم الشرعية الصحيحة فيما يتعلق بالولاء والبراء والسلام والمعاهدات وقضايا التكفير والتحزب والتشدد وحرمة الانضمام للتنظيمات المتطرفة وغير ذلك من المسائل التي يمثل بيانها وتوضيحها وغرس قيمها الشرعية الصحيحة جدر حماية وأسوار وقاية من الإرهاب، فيبقى الفرد متمسكاً بدينه الصحيح، محباً لوطنه، موالياً لقيادته، مطيعاً لحاكمه، ملتزماً بقوانين بلده، سائراً في نهضة دولته وازدهارها واستقرارها.
فهو كالكأس المليئة بالماء الزلال، وأما الكأس الفارغة فهي عرضة لأن تمتلئ بالسموم الفتاكة والمياه العكرة، وهكذا القلب الفارغ من العلم والدراية، فهو عرضة لأن يستقر فيه أي فكر دخيل، كما قال الشاعر: «أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى... فصادف قلباً خاوياً فتمكنا».
وهذه التوعية كي تؤتي ثمارها تتطلب استثمار مختلف أشكال النشر في تعزيزها، سواء أكانت مكتوبة أم مسموعة أم مرئية، وكذلك استغلال مختلف الوسائل المتاحة للنشر سواء أكانت تقليدية أم جديدة معاصرة كشبكات التواصل الاجتماعي، والتوعية في حقيقة الأمر مسؤولية مشتركة، تمارسها الجهات المختصة، وكذلك الإعلاميون والمثقفون والعلماء والأكاديميون بالطرق الصحيحة المتاحة،.
ويأتي على رأس ذلك كله دور الأسرة مع الأبناء والبنات والشباب والشابات، باحتضانهم والتحاور معهم، ومتابعتهم، والتأكد من سلامة ما يتابعون ويشاهدون عبر أجهزتهم الذكية، لئلا يتسلل الإرهاب من منفذ خفي، وحينما تتكامل الأدوار كلها في التوعية كل بحسب مسؤوليته واختصاصه يتحول المجتمع إلى جدار منيع صلب يتحطم عليه سهام الإرهابيين من أي اتجاه جاءت.
ومن المسارات كذلك في هذا الباب والتي لا تقل أهمية عما سبق المسار العلاجي، أعني للشبهات والدعايات المضللة التي يروجها الإرهابيون للتأثير على الناس واستقطابهم، سواء أكانت شبهات دينية أم مدنية أم عقلية أم عاطفية يمتزج فيها الحق بالباطل امتزاج السم بالعسل، أم كانت عبارة عن شائعات زائفة أم أكاذيب صرفة أم دعايات مضللة.
وقد رأينا في السنوات الماضية كيف حاول بعض التنظيمات الإرهابية استغلال مختلف وسائل النشر لترويج أفكارهم عبر تقنيات إنتاج عالية، وكذلك عبر تصدير البيانات وغيرها، مما يستدعي التصدي لهذا الخطاب الإرهابي بشتى أشكاله، وتفنيده بالحجج القاطعة والبراهين المقنعة، فيأتي طوفان العلم الصحيح ليكتسح هذه الشبهات الواهية من جذورها.
ومن المسارات المهمة كذلك لمكافحة الإرهاب والتي لا غنى للدول والمجتمعات عنها المسار القانوني، عبر سن الدول التشريعات التي تجرّم الإرهاب ومرتكبيه ومموليه وتتوعدهم بالعقوبات الصارمة اللائقة بهم، فيفكر الإرهابي ألف مرة قبل أن يقدم على خطوة واحدة، ومن الدول التي تميزت في هذا الباب وغيره من الأبواب دولة الإمارات العربية المتحدة.
حيث كانت سباقة في وضع التشريعات القانونية التي تكافح الجرائم الإرهابية بكل أشكالها وصورها، حتى أصبحت بفضل الله تعالى واحة للأمن والأمان ونموذجاً يحتذى به في التعايش والاستقرار. إن مكافحة الإرهاب معركة مستدامة، مع عدو يبدل جلده عبر العصور والدهور، ويطل بمخالبه الدامية لينهش في أرواح الآمنين، وكلما كانت هذه المكافحة شاملة مستوعبة لمختلف المسارات كلما ضعف هذا الخطر واضمحل، وسلمت الدول والمجتمعات من شروره.