البلاستيك (اللدائن) له ما له وعليه ما عليه. ولقد رأينا كيف تكاتف العالم لوضع حد لأخطار المواد البلاستيكية، وخاصة ذات الاستخدام الواحد على الصحة والبيئة.
إلا أن هناك مواد كيميائية تدخل في الصناعات الغذائية تتواتر الأبحاث العلمية المحذرة منها، وحان الوقت أن ندق ناقوس الخطر لننتبه لخطورتها ونتجنب استهلاكها كأفراد وأن نقنن استخدامها كجهات رسمية.
ومن تلك المركبات الكيميائية المُحَلّيات الصناعية ومن أشهرها: أسيسالفيم-بوتاسبوم (E-950) أحلى من السكر 200 مرة تقريباً، أملاح الأسبارتام-أسيسالفيم (E 962) أحلى من السكر 200 مرة تقريباً، سايكلاميت (E 952) أحلى من السكر 30 مرة تقريباً، ساكّرينز (E 954) أحلى من السكر 300 - 400 مرة تقريبا، أدفانتيم (E 969) أحلى من السكر 20,000 مرة تقريباً، نيوتيم (E 961) أحلى من السكر 7000 -13000 مرة تقريباً، سكرالوز (E 955) أحلى من السكر 600 مرة تقريباً والقائمة تطول. وكوننا نركز هنا على المحليات الصناعية فقط، لا يعني أبداً سلامة المُحَلّيات الطبيعية.
في عام 2022، قامت منظمة الصحة العالمية بدراسة وتحليل الدراسات السريرية والأبحاث التي أجريت على مختلف المُحَلّيات الصناعية وعددها 238 بحثاً معتمداً من أصل 370 ورقة علمية منشورة، وخلصت إلى التحذير من الاستخدام طويل الأمد واقترحت إجراء المزيد من الأبحاث لتقييم أفضل لسلامة المحليات الصناعية.
وكانت منظمة الصحة العالمية في عام 2021 وبالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة قد حددت سقف الاستهلاك اليومي المقبول لأكثر المُحَلّيات الصناعية شيوعاً كالتالي: أسيسالفيم-ك (E-950) 15 ملجم/كيلو من وزن الجسم، أسبارتام (E-962) 40 ملجم/كيلو من وزن الجسم، سايكلُميت (E 952) 11 ملجم/كيلو من وزن الجسم، ساكّرينز (E 954) 15 ملجم/كيلو من وزن الجسم، أدفانتيم (E 969) 5 ملجم/كيلو من وزن الجسم، نيوتيم (E 961) 0.3 ملجم/كيلو من وزن الجسم، سكرالوز (E 955) 5 ملجم/كيلو من وزن الجسم.
ولكن ما حيلة المستهلك طالما أن المصنع لا يذكر المحلي الصناعي المستخدم ضمن مكونات المنتج ناهيك عن الكمية المستخدمة. حيث وجدت دراسة نشرت في أغسطس 2020 لتوضح الارتباط المدعم إحصائياً بين استهلاك المحليات الصناعية لمدة تزيد عن 5 سنوات وسرطان الغدة الدرقية أن علبة الدايت كولا (350 مل) في الولايات المتحدة تحتوي على 125 ملجم أسبارتام.
ولو تفحصنا مشروبات «الدايت» و«صفر سعرة حرارية» في أسواقنا، لوجدنا العلبة الواحدة تحتوي أكثر من نوع من هذه المحليات وبتركيز عال، بالإضافة إلى بعض أنواع الزبادي وخاصة «اليوناني بنكهاته المختلفة» يحتوي أيضاً على أكثر من نوع من المُحَليات الصناعية.
ويجدر بي هنا أن ألقي الضوء على بحث مهم نشر في مارس 2022، حيث قام الباحثون بمراقبة 102,865 شخص بالغ ولمدة تزيد على 7 سنوات بين عامي 2009-2021، ووجدوا أن المحليات الصناعية وخاصة «الأسبارتام E 962 وأسيسالفيم-ك E 950» مرتبطة بزيادة خطر السرطان.
إن ما دفعني للحديث عن المُحَلّيات الصناعية، أنني كنت أقراً بحثاً أجري في إندونيسيا في نوفمبر 2022 على 30 نوعاً من أكثر المشروبات مبيعاً في إندونيسيا، ووجدوا أن 80% منها كانت تحتوي على المُحلي الصناعي «سايكلاميت» بتركيز يفوق الحد المقبول يومياً وفي بعضها أكثر من 7 أضعاف الحد المقبول يومياً، مع أنه لم يكن مذكوراً ضمن المكونات. علماً بأن الاستهلاك طويل الأمد للسايكلاميت وبناء على الأبحاث المنشورة قد يؤدي إلى هشاشة العظام، مرض السكري، سرطان المثانة وغيرها من الأمراض.
وهنا نتساءل: ماذا عن المشروبات الموجودة في أسواقنا ؟ ماذا عن عصائر الحمضيات الطازجة السكرية الطعم من فئة «من دون سكر مضاف»؟ ماذا عن الوجبات التي تقدمها شركات التخسيس والغذاء الصحي؟
وهل انتشار هشاشة العظام ونقص الفيتامين «د» في مجتمعات تتعرض للشمس طوال السنة من نتائج إضافة هذه المركبات الكيميائية ؟ نرجو من الجهات المختصة التأكد من وجود هذه المركبات الكيميائية من عدمها، في المشروبات بشكل خاص والأغذية بشكل عام، وإلزام الشركات بالإفصاح عنها ليتسنى للمستهلك الفطن الحريص على صحته وصحة عائلته من اختيار المنتج السليم.
إن وجود المحليات الصناعية في البحار والمياه الجوفية، لهو أكبر دليل على كمية الاستهلاك اليومي لهذه المركبات من حيث نعلم أو لا نعلم.
فاليوم وبعد أن باتت المجتمعات المتحضرة في جميع أرجاء المعمورة تعاني من زيادة في الوزن وتبعاتها، ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن المُحَلّيات الصناعية بطعمها السكري وقدرتها الفائقة على التحلية وخلوها من السعرات الحرارية بشكل عام، تُعرض كبديل للسكر وتُستخدم بلا رقابة ظناً من البعض أنها آمنة كلياً. والحقيقة غير ذلك خاصة في حالة الاستخدام اليومي وعلى المدى الطويل. وهنا تتجلى أهمية الوعي فكلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته.