نجحت «هوليوود» في تنفيذ وتصدير أفلام الخيال العلمي، التي لها عشاق كثر حول العالم، بل أصبحت الأولى على مستوى العالم في هذا المجال، بسبب إمكاناتها المالية والتقنية الضخمة وروح المغامرة والتنوع، التي تتملك مخرجيها ومنتجيها، بينما حدث العكس في السينما المصرية والعربية التي لا نجد فيها سوى تجارب قليلة وبائسة ومضحكة في ميدان إنتاج وإخراج مثل هذه الأفلام.


دعونا نقرأ ما كتبه الناقد البحريني حسن حداد في هذا السياق في مقال له بصحيفة «الوسط» البحرينية (23 /11 /٢٠٠٢): يقول حداد ما مفاده أن السينما العالمية استطاعت، من خلال الابتكار والعلم والتكنولوجيا، إعطاء السينما الحرية الفنية الواسعة لاقتحام ومعالجة موضوعات مفرطة في الخيال والفانتازيا بشكل مقنع ومؤثر، فقدمت إلى جانب الكوميديا والميلودراما أفلاماً تاريخية وبوليسية وحربية وأفلام الرعب والخيال العلمي.

ويتابع: «أما السينما المصرية والعربية بشكل عام فقد ظلت محصورة ضمن أطر ضيقة، بل ظل الاتجاهان الميلودرامي والكوميدي هما الغالبان، إلى جانب نوعيات أخرى كأفلام المغامرات التاريخية والبوليسية، وحتى هذه الأعمال كانت قليلة وطرحت أيضاً في أسلوب غير واقعي».

ويضيف: «غياب أفلام الخيال العلمي ــ بالطبع ــ يعود إلى عدة أسباب، أهمها ضعف الإمكانات الفنية، وعجز السينما المصرية عن الاستفادة من التطورات التقنية والتكنولوجية في هذا المجال، ثم انعدام روح المغامرة والتجريب لدى المنتجين العرب، والذين يرغبون عادة في استثمار أموالهم في أعمال محددة ومألوفة ورخيصة التكاليف، بدلاً من خوض تجارب غير مضمونة الربح.

إلى جانب تردد السينمائيين أنفسهم في طرح معالجات مغايرة جريئة، خشية أن تواجه مثل هذه الأفلام عدم استحسان الجمهور لها، ويبدو أن التردد والتخوف في طرح موضوعات كهذه جاء بسبب كون هذه الأفلام تقتضي في تنفيذها تقنية عالية في مجال المؤثرات البصرية والسمعية، وفي مجالات فنية أخرى. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى كون هذه الأفلام معرضة لأن تعالج موضوعات تمس الدين والتقاليد».


ويستطرد: «في تاريخ هذه السينما لم نصادف سوى تجربة واحدة في مجال الخيال العلمي، وكانت في إطار فكاهي، وهي فيلم (رحلة إلى القمر - 1959) للمخرج حمادة عبدالوهاب، من بطولة إسماعيل ياسين».
وهذا صحيح، ففيلم «رحلة إلى القمر» فيلم ممل من ناحية القصة، وضعيف من ناحية الإخراج والمؤثرات والديكور والملابس والأكسسوارات، وهو يحكي قصة صعود العالِم «مستر شارفين» (إدمون تويما) إلى القمر باستخدام الصاروخ الذي اخترعه، وصعد بصحبته مندوب الأرصاد الجوية المهندس أحمد رشدي (رشدي أباظة) وسائق جريدة أخبار اليوم إسماعيل (إسماعيل يس)، وهما يرتديان ما يُشبه ملابس رواد الفضاء، ويتعاملان مع جهاز غريب يصدر أصواتاً مشابهة لآلات التحذير من الأخطار، بينما يظهر القمر كفطيرة جبن.


صحيح أن السينما المصرية قدمت بعد هذا الفيلم الخيالي الأول عشرة أعمال سينمائية يمكن إدراجها ضمن أفلام الخيال العلمي، أهمها: فيلم «هاء 3» للمخرج عباس كامل في 1961 حول اكتشاف عقار يعيد كبار السن إلى سن الشباب، وفيلم «عاشور قلب الأسد» للمخرج حسين فوزي في 1961 حول عالم يكتشف حقنة ذات مفعول زمني محدد، لكنها قادرة على منح متلقيها قوة عضلية هائلة، وفيلم «المليونير المزيف» للمخرج حسن الصيفي في 1968 حول إنسان آلي يخترعه بطل الفيلم حمدي (فؤاد المهندس) قبل اختفائه، وفيلم «المجانين الثلاثة» للمخرج حسن الصيفي في 1970 حول عالم يجري تجارب على الحيوانات فيتمكن من اختراع جهاز يتحكم في حجم الكائنات وعمرها، وصولاً إلى فيلم «سمير وشهير وبهير» للمخرج معتز التوني في عام 2010 حول ثلاثة إخوة من أمهات مختلفات يسافرون عبر الزمن إلى التاريخ الذي قابل فيه والدهم أمهاتهم الثلاث، إلا أن الصحيح أيضاً هو أن كل تلك الأعمال كانت ضعيفة ، قصة وإخراجاً وسيناريو وحواراً، بل أنتجت من أجل الترفيه والضحك ليس إلا.