ترامب والسباق الرئاسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقد الحزب الجمهوري مؤتمره الوطني في مدينة مِلواكي في ولاية ويسكنسن في الغرب الأوسط.

واستمر المؤتمر 15-18 يوليو، حيث اختار المرشح للرئاسة ولمنصب نائب الرئيس.

يأتي المؤتمر والذي حشد له سياسياً وإعلامياً في سياق سباق انتخابي شديد الاستقطاب والمبطن بالبغض والضغينة. وما حادثة محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب إلا أحد تجليات مسيرة البلد السياسية الحاضرة.

محاولة الاغتيال ستلقي بظلالها القاتمة على المؤتمر. وستزيد من الشحناء بين الساسة والأفراد من هذا الحزب وذاك. وسيسقط الأطراف في نظريات التآمر الواحد بعد الآخر. سيعتقد البعض أن الحادث مفتعل لإعطاء ترامب زخماً إعلامياً قبيل المؤتمر وبعده. وسيتعقد البعض أن هناك تأمراً من قبل الدولة العميقة لمنع المرشح الشعبوي من الوصول إلى البيت الأبيض مرة أخرى.

سيقول ترامب، وأنصاره من خلفه، أرادوا أن يمنعوني من الترشح للحزب وعندما فزت بالرئاسة أرادوا عزلي بخدع قانونية وعندما فزت بالانتخابات للمرة الثانية زوروا النتائج لصالح خصمي. والآن حاولوا قتلي لأنني أنا من يمثل مصلحة الوطن وأنا من سيجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى. وأنا من سيحمي أمريكا من الأغراب الذين يغزون أمريكا صباح مساء عبر الحدود المكسيكية - الأمريكية.

هذا الخطاب الشعبوي الذي سيستخدمه ترامب. واعتذار الرئيس الأمريكي جو بايدن حين دعا إلى وضع ترامب في عين الهدف سيعزز من هذا السرد الدعائي لحملة ترامب. قال الرئيس إن قصده كان كناية — وليس حرفياً — بتركيز الأضواء على ترامب الذي يشكل تهديداً للديمقراطية الأمريكية. اعتراف سيستغله الجمهوريون إلى حد الثمالة.

الطرفان تعاملا مع الحادث بمسؤولية كبيرة. بايدن توجه للجمهور الأمريكي بخطاب شجب فيه ما حصل لمنافسه الشرس ترامب. وأضاف بايدن أن لا مكان للعنف في السياسة الأمريكية. ولم يفت الرئيس بأن يدين المرشح الجمهوري بالإشارة إلى أحداث ستة يناير حين هاجم أنصار ترامب مبنى الكونغرس لمنع التصديق على نتائج الانتخابات التي فاز فيها بايدن.

لا شك أن محاولة الاغتيال ستصب في صالح ترامب، وسيكسب المرشح كثيراً من الزخم والتعاطف والذي قد يمحو ما تقدم من مساوئه. والى الآن لعب ترامب أوراقه بشكل صحيح. فقد دخل قاعة المؤتمر كقائد منتصر أصيب في معركة مصيرية. وقد ارتدى الرئيس السابق ضمادة على إذنه المصابة كشارة شرف ومكبرات الصوت تصدح بأغنية وطنية تقول كلماتها: «فخور بأني أمريكي حيث أوقن أني على الأقل حر». وكان حشود المؤتمر يصفقون لمرشحهم.

المسيحيون الإنجيليون من أنصاره لا يتوسمون الخير أو الصلاح في شخص ترامب، ولكن يرون إرادة الله في الرجل لإصلاح الولايات المتحدة وتصويب مسارها بما يتفق مع قيم العائلة والدين والخالق. ونجاة ترامب من الموت المحقق، سيقول كثير من الأصوليين المسيحيين، ما هي إلا معجزة أرادها الله حتى يتسنى لترامب أن يلعب دوره المناط به.

وفي أول قرار كمرشح رسمي للحزب الجمهوري، اختار ترامب رفيقه في الانتخابات السناتور جي دي فانس ابن التاسعة والثلاثين ربيعاً كمرشح لمنصب نائب الرئيس، والذي سيضفي قوة جديدة على الحملة. فانس مثال قصة نجاح عظيمة و«ترامبي» أكثر من ترامب.. فهو ينتمي للمناطق التي تشكل القاعدة الأساسية للناخبين المساندين لترامب. فانس من أسرة محطمة من منطقة ريفية في أوهايو خسر الكثير وظائفهم في المصانع التي هجرتهم إلى الخارج.

العولمة والليبرالية العالمية هي العدو لترامب وأنصاره.. ففي الحرب الاقتصادية الدائرة مع القومية الاقتصادية والتي تسعى لحماية الوظائف والمكاسب الاقتصادية والتجارية للولايات المتحدة، وبين الليبرالية التي تروج لانفتاح الأسواق وحركة الرساميل عبر الحدود، يعتبر فانس مع ركن من المعسكر الأول.

وفي الحرب الثقافية هناك معركة بين القيم الليبرالية غير المحدودة والتعددية الثقافية والتعددية العرقية وحقوق المهاجرين والقبول بالآخر رغم الاختلاف وبين القيم الأمريكية الأصيلة والتراث المسيحي وحقوق الأغلبية البيضاء وتراثها السائد والوطنية الأمريكية والذي يمثلها فانس ومن على شاكلته. فانس هو ترامب بشكل مشذب.

أمريكا يعتريها شرخ كبير ولكن تذكر قول القائد الألماني اوتو بسمارك إن هناك «عناية إلهية» ترعى الأطفال والولايات المتحدة.

Email