في أواخر عام 1948 ألّف الكاتب المسرحي الإيرلندي الشهير، صمويل بيكيت، رائعته الشهيرة «في انتظار جودو»، وملخصها يدور حول رجلين هما فلاديمير، واستراجون، ينتظران شخصاً يدعى جودو، الذي لا يصل أبداً، وأثناء الانتظار يدخلان في حوارات متنوعة، ويقابلان ثلاث شخصيات أخرى، والمهم أيضاً أن الرجلين لم يتفقا على المكان والزمن، الذي يفترض أن يقابلا فيه جودو.

بعض النقاد يصنفون المسرحية التراجيدية العبثية باعتبارها أهم مسرحية مكتوبة بالإنجليزية في القرن العشرين.

اليوم، ومع الفارق الشديد في التشبيه صار كثيرون في العالم ينتظرون الأسبوع الأول من نوفمبر المقبل، لكي يعرفوا هل يعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، أم تفوز كامالا هاريس، نائب الرئيس الحالي جو بايدن، الذي اضطر للانسحاب مرغماً، بعد هزيمته الواضحة في المناظرة التلفزيونية أمام ترامب. الذين ينتظرون مجيء ترامب أو هاريس أو حتى المرشح الثالث الغامض كثيرون، باعتبار أن الولايات المتحدة تكاد تكون جارة لكل دول العالم بحكم قوتها ونفوذها ومصالحها، وتأثيرها في مجريات أغلبية القضايا العالمية.

الذين ينتظرون نوفمبر بفارغ الصبر يمكن أن نصنفهم كالتالي:

أول المنتظرين لقدوم نوفمبر ومعرفة نتيجة الانتخابات هو الشعب الأمريكي بطبيعة الحال، هذا الشعب يكاد يكون منقسماً بشأن المرشحين، واستطلاعات الرأي، وإن كانت تعطى ترامب الأفضلية خصوصاً بعد المناظرة مع بايدن، إلا أنها غير حاسمة بنسبة مائة في المائة.

ثاني المنتظرين هو القارة الأوروبية، وأغلبية قادتها لا يفضلون كثيراً أن يفوز ترامب، لأنه يؤكد ليلاً ونهاراً ضرورة أن يدفعوا أكثر للمساهمة في نفقات الحماية، التي توفرها أمريكا لأوروبا.

وارتباطاً بالنقطة السابقة يترقب حلف «الناتو» نوفمبر بفارغ الصبر، لأن وصول ترامب يعنى المزيد من الضغط على الدول الأعضاء لزيادة نسب مساهماتها المالية في ميزانية الحلف.

وليس بعيداً عن أوروبا والناتو، الأحزاب اليمينية المتطرفة، لأنها تعتقد أن وصول ترامب سوف يقويها، ويقدم لها المزيد من الدعم خصوصاً على الصعيد المعنوي.

عودة ترامب تعنى دعماً كبيراً للمتطرفين وخصماً من رصيد القوى والتيارات الليبرالية. بالطبع فإن روسيا ربما تكون من أشد المنتظرين لنوفمبر، حيث تتمنى أن يفوز ترامب لأنها تعتقد أنه سيجبر أوكرانيا على التفاوض مع روسيا، وربما التنازل عن جزء من أراضيها خصوصاً القرم. وبما أننا نتكلم عن روسيا فإن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكى يقول عن نفسه: «إننا يجب ألا ننتظر قدوم شهر نوفمبر، وإنه ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا الاستمرار في دعم أوكرانيا خصوصاً بالأسلحة المتطورة، حتى تتمكن من صد الهجمات الروسية المستمرة». وبالطبع نعلم أن مجيء ترامب خسارة مؤكدة للرئيس الأوكراني لأن ترامب لا يكن أي ود له.

الصين تنتظر نوفمبر، لكنها تتمنى هزيمة ترامب، لأن عودته تعني عودة الضغط العسكري والاقتصادي على الصين، التي عانت كثيراً أثناء ولاية ترامب الأولى.

أحد أكثر المنتظرين مجيء نوفمبر، وفوز ترامب هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وحلفاؤه من قادة التيار المتطرف. هم يعتقدون أنه أفضل لهم كثيراً من بايدن، ويعتقدون أن ذلك سيعنى استمرار تنفيذ الخطط الخاصة بتصفية القضية الفلسطينية، وعودة تدفق السلاح والمعونات المختلفة من دون شروط أو عوائق، علماً بأن بايدن قدم لإسرائيل ما لم يقدمه أي رئيس أمريكي آخر من قبل.

الفلسطينيون ينتظرون نوفمبر أيضاً، ولكن ليس على الطريقة الإسرائيلية، فكل الرؤساء الأمريكيين منحازون لإسرائيل، وحينما يتأمل الفلسطينيون التنافس على إرضاء إسرائيل فإنهم يتوصلون إلى حقيقة واحدة هي أن الأفضل لهم أن يتوحدوا أولاً، ويوجدوا ظهيراً عربياً حقيقياً. من المنتظرين لنوفمبر أيضاً المهتمون بالتغيرات المناخية، لأن فوز ترامب يعنى مزيداً من الأضرار البيئية وبالمناخ، فهو يعتقد أن التغيرات المناخية قضية مفتعلة، وسبق له الانسحاب من معاهدة باريس للتغيرات المناخية، في حين أن بايدن أعاد العضوية بمجرد عودته.

كل ما يمكن أن نطلق عليهم وصف مهاجر أو راغب في الهجرة، أو لاجئ أو نازح في أمريكا أو أوروبا، لا يتمنى إطلاقاً أن يفوز ترامب، الذي يقنع أغلبية أنصاره بأن المهاجرين هم سبب معظم مشاكل الأمريكيين. وحتى قارة أمريكا اللاتينية تنتظر انتخابات نوفمبر المقبل، خصوصاً أن التداخلات الأمريكية في شؤون القارة اللاتينية لا تتوقف خصوصاً ضد الأنظمة، التي تتبنى سياسات مناوئة للسياسات الأمريكية. على سبيل المثال فإن الرئيس الأرجنتيني خافيير جيراردو مايلي المصنف يميناً متشدداً يتمني فوز ترامب، في حين أن الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا يتمني هزيمته.

هذه هي الصورة السريعة لأولئك الذين ينتظرون قدوم نوفمبر، سواء عاد ترامب أو فازت هاريس.

في مسرحية بيكيت لم يأت جودو، وانشغل أبطال المسرحية بحياتهم ومشاكلهم وهمومهم، والسؤال ماذا لو عاد ترامب لسدة الحكم.. هل يتعلم من أخطائه الماضية أم يصر عليها، وماذا سيفعل في القضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يهمنا إضافة لعلاقاته مع الدول العربية المختلفة؟