التطورات المتلاحقة التي شهدها المسرح السياسي الأمريكي غيرت خريطة الانتخابات الرئاسية.
فمن محاولة اغتيال ترامب لاختياره لجي دي فانس نائباً له، ومن المؤتمر العام لحزبه لإعلان بايدن الانسحاب من المعركة، باتت حسابات الحزبين، المعدة قبل شهور، في حاجة ملحة لإعادة النظر.
أما محاولة الاغتيال التي تعرض لها ترامب، فلن تؤثر على نتائج السباق، ففي مجتمع يعاني أصلاً من استقطاب حاد، يؤدي تهديد حياة ترامب، في تقديري، لتمترس كل فريق بشكل أعمق وراء مرشحه. وتجليات ذلك التمترس واضحة ليس فقط في اختيار ترامب لفانس وإنما أيضاً في وقائع المؤتمر العام للحزب.
فقد جرت العادة في الانتخابات الرئاسية على أن يكون اختيار المرشح لنائبه مبنياً على حسابات دقيقة للمكسب والخسارة. فهو، من خلال ذلك الاختيار، يسعى لعلاج بعض مواطن الضعف في حملته. فإذا كان مثلاً محدود الخبرة بالشؤون الخارجية، مثل جورج بوش الابن، يختار لمنصب النائب، من له باع طويل في ذلك المجال، كديك تشيني.
وإذا كان ينتمي لولاية جنوبية، يختار نائبه من منطقة جغرافية أخرى لإحداث توازن، مثلما فعل جيمي كارتر وبوش الأب. ولو كانت خبرته التشريعية محدودة، قد يختار من له خبرة قوية بتمرير مشروعات القوانين بالكونغرس، مثلما فعل أوباما.. وهكذا.
غير أن ترامب، حين اختار فانس، فإن اختياره كشف عن ذلك التمترس، عبر الإمعان في التركيز على الجمهور ذاته، لا توسيع الدائرة. فجمهور فانس يمثل أقصى اليمين، تماماً مثل ترامب.
بل إن فانس نفسه أحد تجليات تماهي الحزب الجمهوري تماماً مع ترامب. فالحزب لم يعد الحزب الجمهوري الذي عرفناه من قبل، وإنما صار «حزب ترامب» بعد أن تم تفريغه من التيارات الأخرى أو دفعهم دفعاً لدعم ترامب بالمطلق؛ ففانس الذي وصف نفسه يوماً أنه ممن يعارضون ترامب «للأبد»، هو نفسه الذي طلب من ترامب دعمه من أجل الفوز بمقعده بمجلس الشيوخ، ثم صار منذ ذلك الحين، من أشد أنصار الرجل.
والمؤتمر العام للحزب الجمهوري عكس تلك الروح ذاتها، ففي ظل حالة التماهي بين الحزب والمرشح، يغدو من الطبيعي ألا يعبر المؤتمر عن تعددية الآراء وإنما عن مواقف مرشحه فقط. فالحزب يقدم نفسه عموماً باعتباره حزباً شعبوياً يناهض النخبة.
والنخبة عندهم، بالمناسبة، ليست النخبة الاقتصادية وإنما النخبة السياسية أي الديمقراطيين والليبراليين الموجودين في واشنطن دون غيرها، وهو «أمريكا أولاً» المعادية للمهاجرين وغير البيض عموماً والتي يتحتم ألا تخوض حروباً ذات تكلفة باهظة ما لم يتعرض الأمن القومي الأمريكي لتهديد مباشر.
ولأن المسألة ليست القضايا وتفاصيلها، فقد كان واضحاً أن رسالة المؤتمر العام والاستراتيجية الانتخابية لترامب تقوم على موضوع واحد فقط هو بايدن، عبر النيل من سجله السياسي والتركيز على سنه وقدراته الذهنية وانهيار شعبيته.
لذلك، أربك انسحاب بايدن حسابات الحزب الجمهوري وحملة ترامب بل وترامب شخصياً، إذ كان على الجميع في الفريق الجمهوري العودة لنقطة أقرب للصفر في تصميم الاستراتيجية الانتخابية. فمسألة السن صارت عبئاً على الجمهوريين لا الديمقراطيين، إذ صار ترامب، ذو الثمانية والسبعين عاماً، هو المرشح المسن في السباق، مقارنة بكامالا هاريس ذات الثمانية والخمسين عاماً.
ورغم أنه لا يزال بإمكان الجمهوريين استخدام سجل إدارة بايدن ضد هاريس إلا أن هاريس، لو أدارت حملة موفقة، قد تعيد لخانة الديمقراطيين بعض قطاعات القاعدة الرئيسية للحزب التي كان قد خسرها بايدن، سواء الشباب والسود أو حتى نسبة معتبرة من أصوات الأمريكيين من أصول لاتينية.
غير أن الأهم من هذا وذاك، أن هناك بعض الولايات قد عادت للمشهد باعتبارها ساحة للمنافسة، بعد أن كان بايدن قد عجز عن ضمها لخانته. فبسبب حرب غزة، كان بايدن قد عجز عن تأمين ولاية متشيجان الحيوية، وفقد ولاية جورجيا التي فاز فيها عام 2020. أما اليوم.
فقد عادت الولايتان لمشهد المنافسة لجانب بنسلفانيا الحيوية وكارولاينا الشمالية أيضاً. باختصار، حدث تغير نوعي لمسرح الانتخابات الرئاسية ومدة الأشهر الثلاثة المتبقية حتى الاقتراع العام، تظل فترة طويلة قد تشهد مفاجآت أخرى.