ما الهدف الإسرائيلي الفعلي من عمليات الأربعاء الكبير «31 يوليو الماضي»؟!
في أقل من 24 ساعة تقريباً، اغتالت فؤاد شكر المستشار العسكري البارز لزعيم ميليشيا «حزب الله» اللبناني، والمصنف رقم 2 في الحزب، وبعدها بست ساعات، اغتالت إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والرجل رقم 1 في الحركة، وبعد ذلك بساعات قليلة، أعلنت تأكدها من مقتل محمد الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لـ «حماس».
العمليات الثلاث شبه المتزامنة، شكلت ما يشبه الخروج الفعلي عن قواعد «حرب الظل» بين إسرائيل وإيران، المستمرة منذ سنوات، إلى المواجهة العلنية المباشرة، خصوصاً بعد قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، وقتل قائد الحرس الثوري الإيراني داخلها، محمد رضا زاهدي، أول أبريل الماضي، وقيام إيران بقصف إسرائيل بالصواريخ والمسيرات منتصف أبريل، في مواجهة اعتبرها البعض مهندسة ومنضبطة ومحكومة بإشراف من الولايات المتحدة، حتى لا تقود إلى حروب شاملة في المنطقة بكاملها، بصورة قد تضر بالمصالح الأمريكية التي لديها حسابات كثيرة ومعقدة ومتداخلة، خصوصاً في ظل صراعها الأكبر مع الصين وروسيا.
نعود للسؤال الأول في تفسير الهدف الإسرائيلي من وراء العمليات الكبرى يوم الأربعاء الماضي، خصوصاً قتل هنية، وهناك رأيان لدى غالبية الخبراء المتابعين للصراع الراهن بين إسرائيل وإيران.
القسم الأول يرى أن إسرائيل تريد ترميم سمعتها المنهارة منذ عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر الماضي، وكذلك البحث عن صورة نصر رمزي، باغتيال المسؤول السياسي الأبرز في «حماس»، والمسؤول العسكري الأبرز في جناحها العسكري، وكذلك المسؤول العسكري الأول في «حزب الله». يضيف هؤلاء أن العمليات الثلاث تصب في الهدف الإسرائيلي المعلن، وهو تفكيك «حماس» وتصفية قادتها، وأن إسرائيل أعلنت منذ بداية العدوان، أنها ستطارد كل قادة الحركة في كل مكان.
أما أصحاب الرأي الثاني، فيقرون بأن كل ما سبق صحيح، لكنه لا يشكل الهدف الكامل والحقيقي، وأن هدف إسرائيل الحقيقي، يتمثل في محاولة استفزاز إيران وجرها بكل الطرق إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، للقضاء على برنامجها النووي أولاً، والقضاء على أذرعها المنتشرة في أكثر من عاصمة بالمنطقة، من لبنان إلى اليمن، ومن العراق إلى سوريا.
من وجهة نظر هؤلاء الخبراء، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، زار واشنطن في 24 يوليو الماضي، وخطب مستعرضاً أمام الكونغرس، ثم اجتمع مع الرئيس جو بايدن ونائبته كمالا هاريس، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، وغالبية قادة الكونغرس، وعاد إلى تل أبيب، وبدأ في تنفيذ العمليات الكبرى، خصوصاً اغتيال هنية، رغم أن واشنطن قالت إنها لم تكن تعلم بنية إسرائيل تصفيته، في حين أن فؤاد شكر على لائحة المطلوبين أمريكياً، لاتهامه بالمشاركة في عملية تفجير مقر المارينز الأمريكي في لبنان، أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
لدى إسرائيل هدف جوهري، وهو استغلال عملية «طوفان الأقصى» لتدمير الفصائل الفلسطينية، لكن لديها هدف جوهري، لا يقل أهمية لها، وهو تدمير البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي، فإن تسلسل عمليات الاستهداف الإسرائيلي في وقت قصير، وبعد العودة المباشرة من واشنطن، يقول بوضوح إن إسرائيل تريد جر إيران للمواجهة النهائية، وهي قتلت هنية، وهي تعلم أن ذلك يمس بسمعة وكرامة وأمن وسيادة إيران، وإذا لم ترد الأخيرة، فسوف تهتز صورتها كثيراً أمام شعبها ووكلائها، خصوصاً أنها شعرت بالحرج الشديد، من السهولة التي تم بها استهداف هنية، بما يشير إلى قدرة إسرائيل على تكرار هذا الأمر مع أي مسؤول إيراني.
حسب وجهة نظر الرأي الثاني، فإن أمام إسرائيل في هذه الحالة خيارين، لا ثالث لهما، الأول أن تبتلع الضربة الإيرانية المنتظرة، والعودة لقواعد الاشتباك السابقة، أو أن ترد على الضربة بضربة أشد، وهكذا، حتى تجر إيران إلى الحرب الكبرى، وهو الأمر الذي يبدو منطقياً، من وجهة نظر الخبراء. ويعتقد هؤلاء أن مسارعة واشنطن إلى الإعلان عن إرسال المزيد من القوات والمقاتلات وحاملات الطائرات، والإعلان رسمياً، وبصورة مباشرة ومعلنة، عن الدفاع عن إسرائيل أمام أي هجوم إيراني، أو من وكلاء إيران، سوف يقوي من تطرف نتنياهو للسير في خطته التي يراها سانحة، وهي تدمير، ليس فقط ما يسمى «محور المقاومة»، بل «الرأس الأكبر»، وهو إيران.
هذان هما الرأيان السائدان، لكن يغيب عن هذين السيناريوهين، أن إيران ربما لا تريد ولا ترغب في الانجرار إلى الصدام الكبير مع إسرائيل، وأن المصالح الأمريكية الكبرى، ربما تلجم إسرائيل في اللحظة الأخيرة، وبالتالي، فإن أصحاب الرأي الثالث، لا يستبعدون تكرار المحاولة الأمريكية بدعم إقليمي لهندسة وضبط الرد الإيراني، حتى لا تنفجر المنطقة. لكن في كل الأحوال، فإنه، وبغض النظر عما سيحدث، فإن المنطقة بكاملها على صفيح ساخن، وصارت كل الاحتمالات واردة.