لا تخطئ العين المجردة أن الوسادة الحريرية، التي كان المرشح ترامب ينام عليها قبل انسحاب بايدن من السباق الرئاسي لم تعد متاحة له بعد الانسحاب، ولا شيء يدل على ذلك إلا حديثه عن أنه يقبل بمناظرة في الرابع من سبتمبر مع كامالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، التي حلت في محل بايدن، والتي تنتظر تزكيتها رسمياً من جانب الحزب في التاسع عشر من هذا الشهر، أما قبول ترامب بالمناظرة فلم يكن في المطلق، ولكنه وضع شروطاً لها، ومن بين هذه الشروط أو ربما أهمها: أن يدير المناظرة المذيعان في قناة فوكس نيوز، بريت ماير، وبارثا ماكالوم، وبحضور الجمهور في ولاية بنسلفانيا.
ورغم أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت هاريس قد قبلت بالمناظرة أم لا؟ إلا أن تزكية الحزب لها ستجعلها تقبل بالضرورة، وسيتفرج العالم وقتها على مناظرة بين الاثنين ليست من نوع ما جرى بين ترامب وبايدن، التي خسر فيها كما لم يخسر من قبل، فمن بعد تلك المناظرة عاش ترامب أسعد أيامه، وقضى أياماً يحلم بالعودة مجدداً إلى الأبيض، ويراه أقرب إليه مما كان في أي وقت منذ بدأ السباق، ولكن فرحته سرعان ما تبددت، وسرعان ما أحس بينه وبين نفسه بأن ما كان يحسبه سهلاً في أيام أن كان بايدن مرشحاً للديمقراطيين لم يعد كذلك، وبأن عليه أن يعيد حساباته الانتخابية كلها.
وكان السيناتور جيمس فانس، الذي اختاره ترامب نائباً له في السباق، هو الذي كشف عن مدى ما أحسه الجمهوريون عند الإعلان عن انسحاب بايدن لصالح هاريس. وصف فانس ترشيح كامالا بأنه: ضربة مباغتة!
إن لغة الأرقام تبدو مقلقة بالنسبة للجمهوريين، لأن التبرعات التي جمعتها حملة هاريس في الأيام الثلاثة الأولى بعد انسحاب بايدن وصلت إلى 250 مليون دولار، وهو مبلغ أقل كثيراً مما جمعته حملة ترامب! ليس هذا وفقط، وإنما استطلاعات الرأي كانت ولا تزال تضع هاريس في موقع متقدم على ترامب في الكثير من الحالات، وفي حالة منها تبين أن 60% من الشباب يؤيدون التصويت لصالح هاريس ضد ترامب.
وليس سراً أن الديمقراطيين يعرفون أن لدى الرئيس السابق من نقاط الضعف ما يمكن توظيفه سياسياً ضده، من أول تحريضه مؤيديه على اقتحام الكونغرس في السادس من يناير 2021، إلى القضايا الجنائية التي حصل على حكم بالإدانة فيها، إلى تحلله من الالتزام بالقانون في الكثير من أحاديثه أثناء مؤتمراته الانتخابية، وليس سراً أيضاً أن ما كان يؤخذ على بايدن قبل انسحابه يمكن جداً أن يؤخذ على ترامب نفسه من الآن إلى يوم الاقتراع في 5 نوفمبر، ذلك أن فارق السن بينهما لم يكن كبيراً، لأن بايدن يكبر ترامب بثلاث سنوات لا أكثر، ولأن هذا العدد من السنوات ليس هو الذي يمكن أن يكون في صالح الرئيس السابق.
وفي مرحلة ما بعد انسحاب بايدن بدأ الكلام يتناثر هنا وهناك عن أن ترامب يمكن أن يكون عرضة في المستقبل للإصابة بمرض الخرف، وأن هذا لو حدث سيكون من قبيل الإصابة الوراثية، التي تنتقل بالجينات في عائلته من جيل إلى جيل، وإذا كان مثل هذا الحديث يجري تناقله على استحياء، وفي نطاق ضيق فلا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن أن يذهب الحديث نفسه في المستقبل.
كان فارق السن لصالح ترامب في البداية، فصار الآن محسوباً في ميزان هاريس، التي تقف على مشارف الستين، وخصماً من حساب المرشح الجمهوري، الذي يقف على القرب من الثمانين، ومثل هذا الفارق سيؤثر بالتأكيد على مستوى الناخبين الشباب.
وبالطبع فإن هناك عوامل أخرى تشتغل لحساب نائبة الرئيس، من أول كونها امرأة سمراء ذات أصول هجينة، فهي أول امرأة بهذه الصفات تترشح في السباق إلى البيت الأبيض، وصولاً إلى كونها تتمتع بتأييد قيادات ورموز في الحزب الديمقراطي لا حصر لها، وهذا كله مما سيجعل الرئيس السابق قلقاً، ومما سيجعله يشعر بأن يداً باغتته فسحبت من تحت رأسه وسادة الحرير، التي عاش ينعم بها في مواجهته مع بايدن. ومع ذلك كله فإن كل المتابعين لا يستطيعون القطع بمن سيفوز في النهاية، لأن الناخب هو البطل في القصة كلها، ولأنه هو صاحب الكلمة الأخيرة عند الاحتكام للصندوق يوم الاقتراع.