تمنيت لو أن ما قاله المستشار الألماني أولاف شولتز، لموقع «تي أونلاين» الإلكتروني قد حظي باهتمام أكبر وانتشار أوسع.
كان هناك سببان يدعوان إلى ذلك؛ أولهما أن المتحدث هو المستشار الألماني الذي يمثل أعلى سلطة في بلاد هيجل وكانط، وثانيهما أنه كان يتكلم في قضية تتصل بحياة كل واحد فينا، وبغير أن يكون في ذلك شيء من المبالغة.
والذين يتابعون ما ينشره هذا الموقع لا بد أنهم قد استوقفهم قبل أيام، أنه نشر على لسان شولتز ما يدعو إلى الحذر في التسليم بما تنشره مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات أو أخبار، لأن التجربة تقول إن معلومة مما تنشره تلك المواقع إذا صحت، فإن عشر معلومات في المقابل لا تكون صحيحة، وأن خبراً فيها إذا كان دقيقاً، فإن عشرة أخبار تظل غير دقيقة على الجانب الآخر.
لم يذكر المستشار الألماني شيئاً عن السبب الذي دعاه إلى إطلاق هذا التحذير، ولا بد أن شيئاً محدداً قد دعاه إلى ذلك، غير أن المهم الآن ليس ما جعله ينبه إلى خطورة المعلومات والأخبار المضللة على مواقع التواصل، ولكن المهم أن نضع كلامه في إطار، لعلّ الذي لم يسمع به بيننا ينتبه، ولعلنا نأخذ حذرنا ونحن نتنقل بين هذه المواقع.
وبالطبع، فإن شولتز لم يشأ أن يفوّت الفرصة وهو يتحدث للموقع الإخباري، فأشار إلى ضرورة أن نأخذ عن الإعلام التقليدي ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، لأن هذا الإعلام يظل يملك الوقت للتقصي عن صحة أو صواب ما ينشره، ولا فرق بعد ذلك بين أن يكون الإعلام التقليدي شاشة مرئية، أو صحيفة مقروءة، أو إذاعة مسموعة. فكلها تخاطب متلقياً تعرفه ويعرفها، وكلها تتوجه بالحديث إلى متابع يثق فيها، ويطمئن إلى أنها لن تبيع له بضاعة غير صالحة للتداول.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض محتوى مواقع التواصل الاجتماعي لنقد بهذه القسوة، ولكنها المرة الأولى التي يكون فيها المنتقد على هذا المستوى الرسمي الرفيع، وبما يشير إلى مدى ما يجده المستشار الألماني في محتوى هذه المواقع من ضعف ومن سوء ومن رداءة. وأخشى أن أكون قد ظلمت كلمة محتوى وأنا أصف بها ما تنشره هذه المواقع وتتداوله، أو أغلب ما يجده فيها الذين يتابعونها على مدار اليوم.
فالمحتوى ككلمة تحتاج إلى أن تكون عنواناً لشيء جاد، وتحتاج إلى أن تكون معبرة عن مضمون وعن جوهر للأشياء.. وهذا ما لا يتوفر في الكثير جداً مما صار مع كل أسف غذاء يومياً لرواد مواقع التواصل، على اختلاف مسمياتها.
في مواقع التواصل الذين يقولون أي كلام هم أكثر من أن نستطيع حصرهم أو إحصاءهم، ولكن أحداً لا يستطيع إلزامهم بأن يلتزموا حدود الأدب، أو أن يقولوا كلاماً مفيداً على الأقل!
لا أحد يعرف كيف انحرفت مواقع التواصل عن مهمتها التي يشير إليها اسمها إلى هذا الحد؟ ولا كيف صارت اسماً على غير مسمى، إلا في أقل القليل؟ ولكن الذي نعرفه أن التحذير الذي أطلقه المستشار الألماني لا بد أن يجد آذاناً صاغية منا، ولا بد أن يجعلنا نتحسس أقدامنا كلما كنا في حاجة إلى أن نطل على هذه المواقع.
فالموضوع ليس أن نقاطعها ولا أن نخاصمها، ولكن الموضوع أن ندخل إليها ونحن عارفون إلى أين ندخل، وماذا علينا أن نفعل ونحن موجودون على صفحاتها؟.. الموضوع هو الوعي بما نسمع، ثم الوعي بما نقرأ، وفي الحالتين الوعي بما ندع وبما نأخذ.