أصبحت التكنولوجيا الرقمية وما يرتبط بها من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية جزءاً هاماً من حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنها، فجميعنا يتفقد هاتفه الذكي وشبكة الإنترنت بشكل يومي، وأصبح كثير من الأعمال يعتمد على الخدمات الذكية ومنها: التعليم والخدمات البنكية وأعمال المطارات وغيرها من الوظائف، فضلاً عن تحول الحكومات إلى الحكومة الذكية، وكانت دولة الإمارات من أوائل الدول في المنطقة التي طبقت تجربة الحكومة الذكية، حيث اعتمدت في أدائها بشكل كامل على الخدمات الذكية عبر التطبيقات المحددة لكل جهة حكومية وعبر المواقع الإلكترونية.

لم تعد خدمات الإنترنت مجرد وسيلة لتبادل الرسائل أو مشاهدة الفيديوهات، إنما البنية الأساسية التي تعتمد عليها أغلب القطاعات الحيوية، فالمؤسسات المالية تعتمد عليها لإجراء المعاملات اليومية، والشركات تستخدمها لإدارة عملياتها والتواصل مع عملائها، والمدارس والجامعات تقدم التعليم عن بُعد من خلالها، والحكومات تعتمد عليها في تقديم الخدمات العامة وإدارة الأزمات كما حدث في السنوات الماضية وتحديداً أثناء جائحة كوفيد 19، حيث أصبحت الوسيلة الأساسية التي تتيح للمجتمعات الحديثة العمل بسلاسة وفعالية، وبالتالي إذا توقفت الخدمات الرقمية سيواجه العالم أزمة كبيرة في كافة القطاعات، ستتوقف التجارة الإلكترونية بشكل كامل بما يترتب عليها من خسائر فادحة للشركات الكبرى التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لبيع منتجاتها وتقديم خدماتها، وسيجد المستهلكون أنفسهم غير قادرين على التسوق عبر التطبيقات الذكية بما لذلك من سلبيات على العرض والطلب، كذلك ستتعطل الأنظمة المصرفية، وبالتالي سيواجه القطاع المالي أزمة كبيرة، حيث لن يتمكن العملاء من الوصول إلى حساباتهم البنكية أو إجراء التحويلات المالية، وتأثيرها سلباً على الخدمات الأساسية كالمستشفيات والمراكز الصحية، فهي تعتمد على تبادل المعلومات الطبية والسجلات الصحية الإلكترونية، وستكون خدمات الطوارئ من أكثر القطاعات تضرراً، كما أن فرق الإسعاف والإطفاء والشرطة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنسيق السريع وتبادل المعلومات.

بدون الذكاء الاصطناعي لن يتمكن الطلاب من الوصول إلى المواد التعليمية والمحاضرة المباشرة والفصول الافتراضية، وبالتالي عدم القدرة على الوصول إلى مواد تعليمية واسعة ومتنوعة مثل الفيديوهات التعليمية والكتب الإلكترونية والمقالات البحثية بما له من آثار سلبية على الطلاب والمعلمين في تقديم الدروس بطرق مبتكرة وتفاعلية، وسيؤدي إلى صعوبة تنظيم العملية التعليمية، وبالتالي يمكن القول إن الإشكاليات التي تترتب على انقطاع الإنترنت ستطال جميع المجالات ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيكون لها تأثيرات نفسية واجتماعية، حيث سيشعر الكثيرون بالعزلة والقلق نتيجة فقدان التواصل الفوري مع الآخرين وسيشعر الأشخاص بفراغ كبير في حياتهم اليومية.

ونظراً لأهمية الإنترنت والتطبيقات الذكية في معظم قطاعات المجتمع الحديث، لم يعد من الممكن الفصل بين الجانبين الرقمي والمادي، فأصبحت حقوق الإنسان الأساسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاتصال بالإنترنت مثل حرية التعبير عن الرأي والحصول عن المعلومات، وكذلك شهدنا تداخلاً واسعاً بين العالم المادي والإنترنت، لدرجة أن انقطاع الإنترنت ولو لفترة وجيزة يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأفراد والمؤسسات والحكومات، فمنذ فترة استيقظ العالم على انقطاع في خدمات الإنترنت أدى إلى تعطيل أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام التشغيل «ويندوز» تضررت منه المواقع الإلكترونية والمطارات والقطارات والبنوك وغيرها من الجهات والشركات، مما أثر على الأعمال التجارية وخطوط النقل والبث التلفزيوني في الكثير من البلدان، حيث أظهرت أجهزة الكمبيوتر ما يسمى «شاشة الموت الزرقاء»، وتوقفت عن العمل نهائياً، وكان سبب المشكلة غامضاً في البداية، ثم تبين أن هناك مشكلة برمجية في إحدى شركات الأمن السيبراني والتي تسمى «CROWED STRIKE» مما تسبب في ذلك العطل، حيث كانت الشركة تقوم بأعمال تحديث لأحد برامجها المعلوماتية ولكن التحديث أصابه بعض الخلل، مما أدى إلى العطل المعلوماتي والشلل الرقمي لأغلب الأجهزة الإلكترونية والتطبيقات الذكية حول العالم.

ونرى أن قدرة تطبيقات الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذكية على محاكاة العقل البشري لا تعني أن لديها من الشعور أو الإدراك المماثلين لشعور وإدراك البشر، فهذه التطبيقات والآلات لديها القدرة على إتمام الأعمال وإنجازها والوصول إلى نتائج ذكية عن طريق البرمجة البشرية وليس ذكاء حقيقياً بذات ذكاء البشر، فهي تحقق هذه النتائج عن طريق ما يُعرف بالاستدلالات، أي عن طريق استخدام المعرفة وتحقيق أنماط من البيانات والمعلومات المدمجة التي تقوم بمعالجتها.

بالتالي ورغم أهمية الإنترنت في عالمنا الحالي إلا أن انقطاعها عن العالم هو تجربة شديدة الخطورة تكشف لنا مدى اعتمادنا الكبير على التكنولوجيا الحديثة، فالذكاء الاصطناعي لم يصل بعد إلى درجة الكمال القصوى، بل لا تزال برامجه عرضة للإصابة بالقرصنة أو الأعطال الفنية، الأمر الذي يجعله في بعض الأحيان يعمل بطريقة غير متوقعة أوغير مخولة، مما قد يخلق أضراراً بالغة، وما حدث مؤخراً هو فرصة للتأمل والتفكير في كيفية بناء أنظمة أكثر مرونة واستدامة قادرة على الصمود في وجه تلك الكوارث، فهل نحن مستعدون لمواجهة عالم بدون إنترنت؟