أكثر من مليون شخص شاهدوه عند بثه على الهواء مباشرة، وأكثر من مليار شخص شاهدوه بعد بثه، والرقم مرشح للصعود، فهل يصح أن نطلق على لقاء الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي جرى على منصة X الأسبوع الماضي «لقاء القرن»؟

واضح أن ثمة مصالح تربط بين الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، ومرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، رجل الأعمال الذي دخل معترك السياسة ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة عام 2017م.

عام 2022 عندما عرض ماسك شراء منصة «تويتر» وصفه ترامب بالمخادع، وقال إنه لن يشتري المنصة، ورد ماسك بأن على ترامب أن يعلق قبعته، أي أن يعتزل السياسة، ولكن حين تلتقي المصالح يضع المختصمون خلافاتهم جانباً، ويكتبون تاريخاً جديداً لعلاقاتهم. هذا هو ما حدث في اللقاء الذي استمر أكثر من ساعتين.

يبدو هذا الأمر طبيعياً في لقاء بين رجلي مال وأعمال، يستعد أحدهما لحكم أقوى دولة في العالم، بينما يمسك الثاني بمفاصل كثيرة، لم تعد اقتصادية فقط، وإنما غدت اجتماعية أيضاً، مثل منصة «تويتر» التي اشتراها ماسك وغيّر اسمها إلى «X» وأطاح بطائرها الأزرق الصغير الذي أحبه الناس على مدى سنوات، وأصبحوا يغردون مثله. أما دونالد ترامب، فقد عاد إلى المنصة منتصراً بعد أن أقصي منها في أعقاب هجومِ أنصارٍ له على مبنى الكونغرس بواشنطن في السادس من شهر يناير عام 2017م.

ما جرى في اللقاء معروفٌ للجميع، فقد تم نشره على نطاق واسع، وأعيد بثه على المنصة، وكان مدار حوارات في القنوات التلفزيونية عبر أنحاء العالم كله. أما القراءة في اللقاء فتقول إنه لم يضف الكثير من الجديد إلى مواقف ترامب المعروفة، فقد استعرض إنجازاته إبان فترة رئاسته السابقة، وقال إن الحرب في أوكرانيا وهجمات السابع من أكتوبر 2023 وحرب غزة لم تكن لتحدث لو كان هو موجوداً في البيت الأبيض وقتها، وأسهب في الحديث عن ملف الهجرة، ووعد بتنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ البلاد إذا تم انتخابه رئيساً في شهر نوفمبر المقبل، وهاجم منافسته كامالا هاريس، وسخر منها أكثر من مرة.

لقاء القرن، إذا صح أن نطلق عليه هذا الوصف، حوى أيضاً غزلاً متبادلاً بين ماسك وترامب، وشهد إشادات متبادلة بينهما، ففيما أسهب ماسك في الثناء على ترامب، تحدث ترامب بإيجابية عن ماسك باعتباره داعماً له في الانتخابات، وقال إنه يحتاج شخصاً مثله لتطوير التعليم، وفي إشارة إلى ميل ماسك إلى تنفيذ عمليات تسريحٍ جماعية للموظفين قال ترامب: «سأحب ذلك من أجلك.. أنت أعظم قاطع».

واضحٌ من توقيت اللقاء أن الهدف منه هو توفير أكبر دعم لترامب قبل مناظرته المقبلة مع منافسته كامالا هاريس، التي أُعلِن أن موعدها سيكون في 10 سبتمبر المقبل، بعد أن تفوق ترامب على الرئيس جو بايدن في مناظرة 28 يوليو الماضي، وأحرز نقاطاً كثيرة يبدو أن هاريس تعمل على استعادتها منذ أن ترشحت للرئاسة، وقد نجحت فعلاً في استعادة الكثير منها، وأصبحت تتقدم على ترامب في 3 ولايات توصف بالحاسمة في تحديد نتيجة الانتخابات، وفقاً لاستطلاعات أجرتها صحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا كوليج في العاشر من شهر أغسطس الحالي.

نتيجة الاستطلاعات الجديدة هذه تختلف عن تلك التي سادت على مدى نحو عامٍ، وكان فيها ترامب متقدماً أو متعادلاً مع الرئيس جو بايدن، قبل انسحاب الأخير من سباق الرئاسة لصالح نائبته، فهل أتى لقاء رجلي المال والأعمال هذا لتعديل هذه النسبة وتدارك الأمر قبل أن تقع الفأس في الرأس ويخسر ترامب نتيجة الانتخابات في شهر نوفمبر المقبل؟

«لقاء القرن» يبدو من جانبٍ دعايةً لترامب، كما يبدو من جانبٍ آخر دعايةً لماسك الذي لا تخلو جعبته من طموحاتٍ سياسيةٍ، حتى لو كان طموح الرئاسة ليس في متناول يده، لأنه مولود في جنوب أفريقيا، الأمر الذي يفقده شرطاً مهماً من شروط الترشح لرئاسة الولايات المتحدة، هو شرط الولادة على أرضها، إلا في حالة واحدة، هي أن يغير ماسك الدستور الأمريكي مثلما يحاول تغيير العالم من حوله.