يستأنف أبناؤنا وبناتنا طلبة المدارس رحلة التعلم في عام دراسي جديد، يقبلون عليه بكل تفاؤل واجتهاد، لينهلوا من معين العلم، وينموا مهاراتهم، ويصقلوا شخصياتهم، ليكونوا قادة المستقبل، يسهموا في بناء مجتمعهم، ويخدموا وطنهم بكل إخلاص وتفانٍ.
ومع انطلاق العام الدراسي الجديد ينبغي على أبنائنا وبناتنا أن يجددوا آمالهم وطموحاتهم، ويضعوا لهم أهدافاً طموحة يسعون لتحقيقها، ومن أهمها أن يسعوا ليكونوا في صدارة المتفوقين المتميزين في دراستهم وتعلمهم، وفي سلوكهم مع معلميهم وزملائهم، وفي محافظتهم على قيم المواطنة الإيجابية، فيكون التميز عنواناً مستداماً لهم في عامهم الجديد، وفي كل حال، ومع كل أحد، وذلك يتطلب منهم المثابرة، لتحقيق أهدافهم وتحويلها إلى واقع عملي.
وإذا كانت المدرسة هي البيئة الثانية، التي تربي وتعلم فإن الصفوف الدراسية على وجه التحديد هي المصانع التي تخرج الأجيال، ولذلك فإن انتباهك وتركيزك في الحصة الدراسية أيها الطالب، وأيتها الطالبة من أهم عوامل تفوقك وتميزك، وذلك بحسن الاستماع للمعلم أو المعلمة، واحترامه وتوقيره، والتفاعل الإيجابي معه، والمشاركة الدؤوبة فيما يطرح من معلومات ومسائل وأنشطة.
بحيث لا تخرج من الحصة الدراسية إلا وقد استوعبت الدرس، وحفظت المعلومات، وأتقنت المهارات قدر الإمكان، فإن ذلك يوفر عليك الكثير من الوقت والجهد، وخاصة بعد عودتك إلى المنزل، وأثناء مراجعاتك الأسبوعية، واللاحقة لما أخذته من دروس، فلن تتعب كثيراً طالما أنك أوليت الحصة الدراسية الاهتمام المطلوب، وقد كتب العلماء منذ القديم في آداب طلب العلم، وخاصة أثناء الدرس، وتكلموا عن حسن الاستماع والإنصات، وعن حسن السؤال والاستفهام، وعن احترام المعلم وتوقيره، والصبر عليه، ورد الجميل إليه بالشكر والدعاء والثناء.
ومن أهم ما تحتاج إليه ابني الطالب، وابنتي الطالبة التوكل على الله تعالى، واللجوء إليه في سائر أحوالك، فهو سبحانه الميسر والمعين، والتوكل هو بذل الأسباب مع الثقة بالله تعالى، فاجعل همتك فوق هام السحاب، ولا تيأس ولا تستسلم، واجعل التفاؤل قريناً لك، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«استعن بالله ولا تعجز»، وجاهد نفسك بحسن الانتباه والتركيز في الحصص الدراسية، واصبر على الفهم، ولا تقل إني لا أستطيع، وإن عقلي لا يستوعب، فتنظر إلى نفسك نظرة دونية، وتركن إلى ذلك، فإن الله أعطاك القدرة والإرادة، التي تستطيع بهما أن تحقق المستحيل، وغاية الأمر فقط أنك تحتاج إلى الصبر والمحاولة المستمرة، والعقل مثل العضلات ينمو ويقوى بالتدريب، ويضمر ويضعف بالكسل والتراخي، فإذا دربته باستمرار على الفهم والتركيز فإنه سيتعود على ذلك، ويصبح الأمر سهلاً ميسوراً عليه، وقد قيل في الأمثال والحكم:
«من لم يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة، ومن صبر عليه آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة، والناس وإن كانوا مستويات في الفهم والاستيعاب فرُبَّ طالب بلغ بالصبر والاجتهاد ما لم يبلغه من يفترض فيه أنه أسرع فهماً وأكثر استيعاباً».
ومن أهم ما تحتاج إليه أيها الطالب حسن التخطيط لوقتك وإدارة مهامك، لتتمكن من تحقيق التوازن بين الدراسة والأنشطة الأخرى، ومما يعينك على ذلك متابعة دروسك ومراجعتها أولاً بأول، وقد قيل قديماً: «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد»، والتركيز في البيئة الصفية كما سبق، وأن تخصص لكل مهمة وقتها الكافي، فتتمكن من أداء مهامك وواجباتك المتنوعة، بما في ذلك راحتك ورفاهيتك، والحرص على صحتك النفسية والبدنية بممارسة الرياضة، وتناول الغذاء الصحي، والحصول على قسط كاف من النوم، والعناية بمهاراتك الاجتماعية والشخصية ومحيطك الأسري.
واعلم ابني الطالب، واعلمي ابنتي الطالبة أن المرحلة الدراسية ليست مجرد مرحلة حياتية عابرة، بل هي محطة أساسية ستبني عليها مستقبلك القادم، وأحلامك وطموحاتك، وتكتسب فيها شخصيتك، بما يساعدك على التفاعل الإيجابي في جامعتك ووظيفتك، ومحيطك الاجتماعي عموماً.
وإن من واجب الآباء والأمهات أن يكونوا خير سند لأبنائهم وبناتهم في تحصيلهم الدراسي؛ فالأسرة هي الداعم الأول، والأساس لأبنائها، بتوفير البيئة المناسبة لهم، ومتابعتهم، وحسن توجيههم، وتحفيزهم على الإبداع والعطاء، والافتخار بهم، ليكونوا مشاعل نور وعلم، وتطوير لمجتمعهم ووطنهم.