أسئلة كثيرة تحوم في سماء بنغلاديش بعد كل ما شهدته أخيراً من أعمال عنف وفرار زعيمتها الشيخة حسينة واجد واستلام الجيش للسلطة وتكليف البروفيسور محمد يونس (84 عاماً) بتشكيل حكومة انتقالية إلى حين إجراء انتخابات عامة جديدة. ولعل أهم هذه الأسئلة هو «هل بمقدور يونس أن يؤسس لنظام ديمقراطي نزيه، ويعيد للبلاد دولة القانون والنظام والمؤسسات المستقلة؟».

مما لا شك فيه أن الآمال المعقودة على الرجل كبيرة، خصوصاً وأنه نزيه وموثوق به من الجميع ولم يتلوث إلى الآن بأمراض السياسة، ويساعده طاقم من الوزراء من النشطاء الحقوقيين وأساتذة الجامعات والمحامين ورموز المجتمع المدني. لكن التحديات التي يواجهها ثقيلة وتنوء بحملها الجبال الرواسي وتضيق بها الصدور، خصوصاً وأن حكومته بلا أسنان وتفتقد للشرعية الدستورية.

فالبلاد في حالة انقسام سياسي شديد ومشحونة بالأيديولوجيات المتباينة، وأوضاعها الاقتصادية هشة ومثخنة بالتضخم والبطالة، وظروفها الأمنية الداخلية متفجرة، لا سيما بعد الاعتداءات المشينة ضد الأقليات الهندوسية والبوذية، وأحزابها السياسية الكبيرة (حزب بنغلاديش الوطني بقيادة خالدة ضياء أرملة الرئيس العسكري الأسبق ضياء الرحمن، وحزب جماعت إسلامي الإخواني التوجه)، متأهبة للعودة إلى السلطة لممارسة المماحكات القديمة نفسها من تسلط وفساد واستغلال وتمييز وانتقام، معتقدة أن الساحة قد خلت لها بغياب زعيمة حزب رابطة عوامي الذي قاد الاستقلال عن باكستان عام 1971، وشبابها الذين يشكلون نحو 40 بالمائة من عدد السكان البالغ 170 مليون نسمة ينتظرون حصتهم في كعكة السلطة باعتبارهم المحرك الذي قاد التغيير وضحى بدمائه من أجل ذلك، مشيرين إلى أن اختيار اثنين منهم ضمن تشكيلة البروفيسور يونس (وهما ناهد إسلام وآصف محمود) ليس كافياً.

أما الأسئلة الأخرى التي تتردد اليوم بكثرة في الساحة البنغلاديشية فهي خاصة بالانتخابات المقبلة التي وعد الجيش ورئيس الحكومة المؤقتة بإجرائها ومنها: متى سوف تجري الانتخابات المقبلة؟ ومن يضمن نزاهتها؟ وهل سيسمح لحزب الرئيسة المخلوعة المشاركة فيها؟ وهل من المفيد تحديد موعدها ضمن المهلة الدستورية وهي 90 يوماً أم تأخيرها لوقت أطول؟

يقول الخبراء والمطلعون على أوضاع هذه البلاد التي لم تنعم بالاستقرار الطويل قط إنه من المهم أولاً وقبل كل شيء أن تقوم الحكومة المؤقتة بإصلاح دستوري، سواء عن طريق صياغة دستور جديد أم عن طريق تنقيح الدستور الحالي الذي صدر عام 2011.

لكن الإشكالية تكمن في أن قيام حكومة مؤقتة بتعديل الدستور أمر غير دستوري بحد ذاته، خصوصاً وأن دستور 2011 لا ينص في أي مادة من مواده إلى حكومة مؤقتة أو حكومة تصريف أعمال. هذا عدا عن أن أي دستور جديد أو حتى مجرد تنقيح يحتاج إلى مصادقة برلمانية، والبرلمان لا وجود له.

أما مهلة التسعين يوماً لإجراء الانتخابات فقد باتت موضع خلاف بين فريق يؤيدها ويدعو إلى الالتزام بها خوفاً من استحلاء العسكر للبقاء طويلاً في الحكم، وفريق يرى أنها غير كافية لإعداد البلاد لديمقراطية حقيقية قادرة على مقاومة الانزلاق مرة أخرى نحو الاستبداد، لا سيما وأن البلاد تعيش فوضى سياسية واقتصادية وأمنية، الأمر الذي يتطلب وقتاً أطول لإجراء الإصلاحات المطلوبة واستعادة استقلال المؤسسات الحيوية.

وبالنسبة لمشاركة حزب عوامي من عدمها في الانتخابات، يرى الخبراء الدستوريون أن فكرة إقصائه تعد كارثة، بل تعني عملاً غير دستوري وغير ديمقراطي، وجالباً للمتاعب والقلاقل بحكم ما يتمتع به من شعبية لدى الكثيرين من أطياف الشعب، ناهيك عن شرعيته التاريخية.

لكن هناك من يقول إن عودة الشيخة حسينة واجد لقيادة عوامي في أي انتخابات قد يعني فوزها وبالتالي اصطدامها مجدداً بغريمتها اللدودة خالدة ضياء وخصومها من الإسلاميين المتشددين، أي العودة إلى المربع الأول.

وفيما تدور هذه الأسئلة وغيرها دون إجابات قاطعة، ينظر البنغلاديشيون بحذر شديد إلى التطورات الجارية في بلادهم في هذه الحقبة الحرجة، ويخشون من انتكاسة قد تحدث على غرار ما حدث من قبل. ذلك أن بنغلاديش سبق أن شهدت اضطرابات وانتفاضات شعبية ضد حكومات مستبدة أكثر من مرة، انتهت بإسقاط تلك الحكومات، لكن لتحل مكانها حكومات أخرى فاشلة وعاجزة عن تلبية تطلعاتهم.