بحثت في الأدعية المأثورة عن دعاء يقول: «يا رب أكون مشهورة»، فلم أجد أثراً لهذا الدعاء الذي أسمعه يتردد في وسائط التواصل الاجتماعي هذه الأيام على ألسنة طالبات الشهرة من مختلف الأعمار والأقطار، فاتهمت علمي الناقص وقلة اطلاعي على كتب السابقين التي جمعت الأدعية عبر مختلف الأزمان، وقررت أن أبحث عنه في أماكن أخرى، لعلي أجد لهذا الدعاء أثراً أو خبراً.

حدث هذا بعد أن سمعت إحدى الفتيات تردد هذا الدعاء في بث على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي كان فيه والدها يرقد في وحدة العناية المركزة بأحد المستشفيات، بعد أن أصبحت أيامه معدودة وفقاً لتقارير الأطباء، رغم إيماننا بأن الأعمار بيد الله، فكيف يخطر لفتاة يرقد والدها في العناية المركزة بين الحياة والموت أن تترك الدعاء له بالشفاء كي تدعو لنفسها بالشهرة، وتحت أي بند يمكن أن نصنف دعاءً مثل هذا في توقيت مثل هذا؟

«يا رب أكون مشهورة» هو الدعاء الأكثر ترديداً هذه الأيام بين فتيات منصات التواصل الاجتماعي، وفقاً لمشاهداتي الخاصة، وليس بناء على إحصائيات ودراسات موثقة كما تقتضي الأمانة العلمية. لذا فإن أي اعتراض على هذا الاستنتاج مقبول إذا ثبت عكسه، كأن يكون الدعاء الأكثر ترديداً هو «يا رب أكون ترنداً» مثلاً، أو أي دعاء آخر من هذا القبيل يتفق مع «يا رب أكون مشهورة» في المضمون ويختلف معه في اللفظ.

لماذا تردد الفتيات دعاء «يا رب أكون مشهورة» هذه الأيام؟

سؤال قد يصدر من قبل الذين لا يعرفون سطوة الشهرة على عقول الكثيرين هذه الأيام، إلى درجة أننا لو سألنا طفلاً: «ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟» لأجاب: «أريد أن أكون مشهوراً». لهذا أنصح بمشاهدة مسلسل «أعلى نسبة مشاهدة» الذي عُرِض في شهر رمضان الماضي، لمعرفة مدى تهافت الصغار والكبار على الشهرة في وسائط التواصل الاجتماعي هذه الأيام.

إذا كنا نجد للرجال بعض العذر فيما يقومون به على هذه الوسائط، بحكم الطبيعة الذكورية التي تتصف بها مجتمعاتنا العربية، شريطة عدم الخروج عن الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد، فإننا لا نجد عذراً للفتيات، والسيدات اللواتي تجاوزت أعمار بعضهن سن الشباب، وهن يقدمن أنفسهن بشكل غير لائق ومهينٍ على هذه الوسائط، حتى لو كانت الحاجة هي الدافع إلى هذا، لأن الحاجة ليست مبرراً لتجاوز الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد في كل المجتمعات، وليست في مجتمعاتنا العربية فقط؟

العجيب هو دخول بعض الفنانات المعروفات على الخط، رغم أنه لا تنقصهن الشهرة ولا المال اللذان تسعى إليهما غير المشهورات، فقد أصبحنا نشاهد وصلات غزل صريح وغير لائق بين إحدى الفنانات الشهيرات وزوجها المليونير، كما رأينا بعض الممثلات يدخلن جولاتٍ مع طالبات وطلاب شهرةٍ، فارق السن والشهرة بينهن وبينهم كبير، الأمر الذي لا يليق بهؤلاء الممثلات، ولا بسنهن، ولا بمسيرتهن الفنية الطويلة.

«يا رب أكون مشهورة» عبارة أصبحت تتردد هذه الأيام على ألسنة اللواتي يصلن الليل بالنهار في وسائط التواصل الاجتماعي، إلى الدرجة التي أصبحنا معها نظن أنهن قد نذرن أنفسهن للسهر، لا ينمن ولا يأكلن ولا يشربن حتى يستجاب لدعائهن، كأن الشهرة هي بوابة الدخول إلى عالم الخلود، وسلم الصعود إلى قمة المجد، أو كأنها البلورة المسحورة التي تتحقق من خلالها كل الأحلام المشروعة وغير المشروعة، فلا صوت يعلو فوق صوت الشهرة، حتى لو تحقق هذا على حساب الكرامة والسمعة.

«يا رب أكون مشهورة» دعاء يجسد المأساة التي أصبحنا نعيشها في مجتمعاتنا التي غدت الشهرة فيها وسيلة للدخل في وسائط التواصل الاجتماعي، التي كلما تنازل «المشهور» أو «المشهورة» فيها عن القيم والأخلاق زادت نسبة مشاهداته، وارتفع دخله، وتوفر له داعمون أسخياء، يرسلون الورود، والأسود، والحيتان، والطائرات، والقفازات، وغيرها.

«يا رب أكون مشهورة» دعاء لم نسمعه يتردد على ألسنة أمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وجداتنا ونسائنا المستورات اللواتي لم يسعين يوماً إلى الشهرة والمال على حساب القيم والأخلاق، عندما كانت القيم والأخلاق، لا الشهرة، هي رأس المال الحقيقي للرجال والنساء على حدٍ سواء.