لعل الأغنية السودانية الوحيدة التي نجحت في عبور حدود السودان الشقيق إلى مختلف الدول العربية هي أغنية «المامبو سوداني» (أو المامبو دا سوداني) التي أداها المطرب سيد خليفة في عام 1958 من كلمات الشاعر الغنائي السوداني عبدالمنعم عبدالحي (1922 ــ 1975)، التي يقول مطلعها:
المَامْبُو دا سُودَانِي
المَامْبُو في كِيَانِي
في عُودِي وكَمَانِي
ما أجمل ألحَانِي
يا حبيبة ما احْلاكِي
المَامْبُو في غُنَاكِي
اللَحْنو خَلّاكِي
تِتْمَايَلِي في خُطَاكِي
على أنْغَام المامبو
يا حَبِيبَةْ يا عُودِكْ
يا وَردَة في خَدُودِكْ
أضْنَيتِي مَرْيُودِكْ
مِينْ بُكرَة مَوْعُودِكْ؟
فما هو سر نجاحها يا ترى؟
هناك عدة عوامل لعبت مجتمعة دوراً في نجاحها وانتشارها داخل السودان وخارجه، منها إيقاعها الراقص الساخن المقتبس من أغنية «مامبو إيتاليانو» التي غنتها الراقصة والممثلة الإيطالية سيلفانا مانغانو في عام 1951 في فيلم «ANNA» للمخرج السينمائي الإيطالي «ألبرتو لا توادا»، ومنها أنها ظهرت في وقت اجتاحت فيه حمى المامبو العالم كله بعد انتشارها في الولايات المتحدة، ومنها أيضاً عامل ثالث، هو أن سيد خليفة أداها لأول مرة على المسرح في احتفالات غنائية بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو المصرية بمشاركة مجموعة من الفنانين المصريين المعروفين مثل يوسف وهبي وفريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب وصباح وشادية وليلى مراد.
وفي هذا السياق أخبرنا سيد خليفة في إحدى مقابلاته الصحافية أنه حينما أتى عليه الدور ليغني في الحفل المذكور، لم يجد من يقدمه للجمهور لأن مقدمي برنامج الحفل انسحبوا وراء الفنانين المصريين الكبار، فوقع في حرج لم ينقذه منه سوى عميد المسرح العربي يوسف وهبي، الذي لم يأبه بكونه فناناً ناشئاً غير معروف، فاستلم الميكرفون وقدمه كصوت جديد من جنوب وادي النيل، وقال إن الحكم على جودة غنائه من عدمها متروك للجمهور. وهكذا غنى صاحبنا أغنية «المامبو سوداني» التي تجاوب معها الجمهور بحماس وراح يتمايل ويترنح مع إيقاعاتها الراقصة وأصوات الطبول والكمان والبوق، مطالباً باستمراره وصلة بعد وصلة.
أما العامل الرابع الذي أسهم في نجاح الأغنية فهو تميزها بكلمات عربية بسيطة وعفوية ومفهومة باللهجة السودانية مواكبة للأنغام والإيقاعات صعوداً ونزولاً، خلافاً لكلمات الأغاني السودانية الأخرى. وهناك عامل خامس تمثل في قيام المخرج المصري حسين فوزي (1904 ــ 1962) بإشراك سيد خليفة في فيلمه الأثير «تمر حنة» من بطولة زوجته نعيمة عاكف ورشدي أباظة وأحمد رمزي وفايزة أحمد وكاريمان وسراج منير، كي يؤدي أغنية «المامبو سوداني» فقط، سعياً لترويج الفيلم.
وجملة القول أن «المامبو سوداني» نجحت نجاحاً كبيراً وانتشرت في مختلف الأوساط، لا سيما بعد تكرر بثها للجمهور العربي والسوداني من خلال إذاعات «صوت العرب» و«أم درمان» و«ركن السودان من القاهرة»، ناهيك عن تقديمها في حفلات «أضواء المدينة» في القاهرة وحفلات أخرى في العواصم العربية، ثم تقديمها مصورة بصوت صاحبها من خلال محطة تلفزيون أرامكو من الظهران في مطلع الستينيات، كما ذاع صيتها في عواصم ومدن شرق أفريقيا كالصومال وإثيوبيا وإريتيريا ونيجيريا بسبب إيقاعاتها الأفريقية.
والجدير بالذكر أن المطرب المصري النوبي محمد منير قام في عقد التسعينيات بمحاولة تجديد «المامبو سوداني»، حيث أداها بصوته، بالنص واللحن الأصليين، لكنه استخدم آلات جديدة مثل الأورغ الكهربائي والغيتار والأوكورديون والساكسفون، إلى جانب الآلات القديمة التقليدية المستخدمة في الطرب السوداني والأفريقي، كالطار والبوق والكونغا والبانغو والترمبون، الأمر الذي تسبب في تشويهها.
ونختتم حديثنا بالإشارة إلى أن سيد خليفة (واسمه الكامل سيد محمد الخليفة الأمين) ولد بولاية الخرطوم في عام 1931 لأب كان يعمل في الإنشاد الديني، وتوفي صاحبنا في العاصمة الأردنية في يوليو 2001. في عام 1951 أرسله والده إلى القاهرة لإكمال تعليمه الجامعي في الأزهر الشريف، لكنه آثر أن يدرس الموسيقى في معهد فؤاد الأول للموسيقى، ثم في المعهد العالي للموسيقى العربية إلى أن تخرج في عام 1958.