هل صحيح أنه تم التوصل إلى 90 % من بنود الاتفاق بين إسرائيل وحركة حماس، بحيث يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويتم إطلاق سراح الأسرى من الجانبين؟!

أطرح هذا السؤال وستكون الإجابة عنه من خلال ثلاث رؤى وجميعها أمريكية.

الرؤية الأولى لصاحب التصريح نفسه وهو وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي قال يوم 6 سبتمبر إنه جرى التوافق على 90 % من بنود اتفاق وقف إطلاق النار.

هذا الكلام الذي أعلنه بلينكن خلال زيارته إلى هاييتي يفترض أن يكون إيجابياً ومهماً من الوهلة الأولى لمن لا يتابع تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي فإن السؤال المنطقي الذي يفترض أن يسأله أي شخص هو: وماذا عن الـ 10 % المتبقية، وهل يمكن تجاوزها أم أنها هي صلب المشكلة والأزمة وجوهر الصراع؟!

بلينكن نفسه استدرك بالقول: إن هناك قضايا بالغة الأهمية لا تزال عالقة بما فيها قضية محور فيلادلفيا (صلاح الدين)، وإن بلاده ستحاول نقل أفكار جديدة لإسرائيل، في حين ستنقل مصر وقطر أفكاراً إلى «حماس» لمحاولة الوصول إلى توافق.

وللإجابة الصحيحة عن كلام بلينكن.

ولكي نفهم ما قاله، نعود إلى ما قاله وليام بيرنز مدير المخابرات الأمريكية خلال حديث مشترك في «فاينانشال تايمز ويك اند»، مع مدير المخابرات البريطانية ريتشارد مور. حيث قال بيرنز: إنه ومن خلال خبرته وتجربته في مفاوضات الشرق الأوسط فإن «الكمال ليس على القائمة أبداً، ولا يستطيع أن يقول إننا سوف ننجح في الوصول لاتفاق ولا مدى قدرتنا نحن وبقية الوسطاء على التوصل إلى صفقة في الوقت الحالي».

وأهم ما قاله بيرنز وربما يكون الرد العملي على ما قاله بلينكن هو الآتي: «إذا نظرت إلى النص المكتوب فقد تم الاتفاق على 90 % من البنود، ولكن في أي مفاوضات شاركت فيها فإن آخر 10 % هي النسبة الأصعب للاتفاق بشأنها».

الرأي الثالث لباراك رافيد محلل الشؤون الدولية في شبكة «سي إن إن» ومراسل موقع اكسيوس الأمريكي. هو يعتقد أنه وإضافة للخلافات المعروفة فإن جانباً مهماً من الخلاف يكمن بكيفية تفسير اللغة المكتوب بها الاتفاق لدى كل من إسرائيل و«حماس».

فإسرائيل مثلاً تقرأ الاتفاق بمنطق «حسناً لا يزال أمامنا نقطة خروج في وقت معين إذا أردنا استئناف الحرب».

أما تفسير «حماس» فهو إنه عندما يتم البدء في تنفيذ الاتفاق فإن الحرب لا بد أن تنتهي تماماً.

رافيد يقول إن هذا الغموض اللغوي يسمح للطرفين بتفسير البنود بالصورة التي يريدونها، وبالتالي فإن ذلك هو جوهر الخلاف الأساسي، بحيث إن الطرفين يقبلان بالدخول إلى المرحلة الأولى لمدة 6 أسابيع، والقرار التالي يكون لاحقاً أي إذا ما كانا يريدان الاستمرار في الصفقة أو استئناف القتال.

ظني الشخصي أن ما يقوله بلينكن هو للاستهلاك المحلي، فهو يريد أن يبعث برسالة للرأي العام الأمريكي أن المفاوضات تتقدم والاتفاق يمكن أن يتم، وظني أيضاً أن ذلك يخدم بالأساس طرفين أساسيين. الأول هو إسرائيل بحيث تستكمل مخططها بتصفية القضية الفلسطينية. أما الطرف الثاني فهم الناخبون في الولايات المتحدة، خصوصاً العرب والمسلمين والتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي حتى تزيد فرص مرشحة الحزب في الانتخابات الرئاسية كامالا هاريس ضد مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب في نوفمبر المقبل.

وهناك سبب ثالث هو محاولة بلينكن والولايات المتحدة الإسراع بإقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل، وبالتالي تهيئة الأجواء لذلك، خصوصاً أن تصريحه بخصوص نسبة الـ 10 % كانت في سياق رده على سؤال عن العلاقات المرتقبة بين إسرائيل والسعودية.

إذاً، ومن وجهة نظري، فإن الدبلوماسي، وهو بلينكن، يحاول بيع بضاعة يعرف جيداً أنها غير مضمونة، أما المخابراتي بيرنز وبحكم واقعيته واعتماده على المعلومات الصحيحة، فهو لا يريد أن يروج للبضاعة نفسها، وهو يدرك أنها غير قابلة للبيع بالطريقة نفسها، في حين أن رافيد وهو الصحافي فيحاول أن يقدم الصورة كما هي على أرض الواقع.

والخلاصة المفيدة أن نبحث وننشغل ونركز في الـ 10 % المتبقية لأنها الأهم، وألا ننشغل بالـ 90 %،؜ لأنه أولاً فقد تم حسمها، وثانياً أنها لا تتطرق للقضايا الصعبة.