مرت إسرائيل إلى السرعة القصوى في «حربها» ضد «حزب الله»، ونفذت خلال يومين مئات الغارات على أكثر من 1100 هدف في بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية وفاق عدد الضحايا 500، فضلاً عن آلاف الجرحى بينهم العديد من المدنيين، وتشير التقديرات إلى أن حكومة بنيامين نتانياهو تغامر بجر المنطقة إلى حرب شاملة ومدمرة.
وانطلقت المغامرة الجديدة بعملية تفجيرات استهدفت أجهزة إلكترونية، وهي عملية رأت فيها هيئات دولية أنها مخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني.
ويُخشى مع التصعيد الأخير أن تدخل لبنان المنطقة في أتون حرب قال المراقبون إنها منبوذة من جميع الأطراف.
وأعلنت منظمات حقوقية دولية، أنه يجب إجراء تحقيق دولي لمحاسبة مرتكبي التفجيرات الجماعية المتزامنة التي استهدفت أجهزة إلكترونية في لبنان وسوريا، والتي أسفرت بدءاً عن إصابة أكثر من 2.931 شخصاً ومقتل ما لا يقل عن 37، من بينهم مدنيون.
وبعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن إسرائيل «نفذت خلال أسبوعين ضربات موجعة وغير متوقعة» لـ«حزب الله»، أصبحت مسؤولية إسرائيل في ما يحدث لا لبس فيها.
وتعتبر منظمات حقوقية دولية أن التفجيرات جاءت في «سياق نزاع مسلح قائم» ولم تكن مسبوقة بالتحقق من هوية المتواجدين في محيط تفجير الأجهزة، ما جعل منها «هجمات عشوائية محظورة بمقتضى القانون الدولي الإنساني، لأنها لا تفرق بين الأهداف المدنية والعسكرية، وينبغي «التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب».
وشدد المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، من جهته في كلمته أمام مجلس الأمن الجمعة 20 سبتمبر 2024 على أن القانون الدولي يحظر «تفخيخ أجهزة مدنية الطابع» واستهداف الآلاف بشكل متزامن، مشككاً في كون هذه الهجمات «راعت المبادئ الأساسية للتمييز والتناسب والحيطة»، ومؤكداً أن «ارتكاب أعمال عنف تهدف إلى نشر الرعب بين المدنيين يُعَدُّ جريمة حرب». وطالب فولكر تورك «بإجراء تحقيق مستقل وشامل وشفّاف لكشف ملابسات هذه الهجمات ومحاسبة المسؤولين عنها».
وتقع على مجلس الأمن، الذي انعقد مرتين حول نفس الموضوع في أقل من أسبوع، مسؤولية اتخاذ التدابير المتاحة لضمان حماية المدنيين لكنه اكتفى في جلسته الأولى بدعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس وإلى تجنيب المنطقة ويلات توسيع نطاق الحرب.
وكان مجلس الأمن الدولي عقد مساء الجمعة، اجتماعاً طارئاً أول دعت له الجزائر نهاية الأسبوع الماضي، لمناقشة تطورات الوضع في منطقة الشرق الأوسط وخاصة التصعيدات الأخيرة في لبنان والأراضي الفلسطينية.
ومقابل الاتهامات ضد دولة إسرائيل بجر المنطقة إلى حرب إقليمية شاملة، تدافع الولايات المتحدة عمّا أسمته «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، رغم أن الرئيس جو بايدن شدد لاحقاً على أنه «يجب على جميع الأطراف منع اتساع نطاق هذه الحرب».
ومع تواتر عمليات الفعل ورد الفعل الذي تأخذ شكلاً تصاعدياً، يبدو أن المنطقة بدأت تقترب بالتدريج من الخطوط الحمراء التي تفتح على حرب إقليمية شاملة.
ويعتبر المراقبون، أن التصعيد الإسرائيلي الجديد ضد مواقع «حزب الله» في لبنان هو مقدمة لحرب أشمل، ورغم أن ظاهر التصريحات لدى طرفي النزاع يؤكد على عدم رغبة أي طرف خوض حرب جديدة، إلا أن الأهداف التي حددها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، لنفسه وحكومته تمر حتماً عبر فتح جبهة جديدة في الشمال مع «حزب الله» بعد الاطمئنان النسبي على الوضع في غزة وإضعاف قدرات حركة «حماس» العسكرية بشكل يصبح من الصعب عليها تكرار سيناريو عملية «طوفان الأقصى».
وبدا جلياً وواضحاً أن إسرائيل استغلت حد الابتزاز عملية «طوفان الأقصى» من أجل تصفية القضية الفلسطينية بصفة نهائية والقضاء على العنوان الفلسطيني الوحيد الذي يتمتع بشرعية ومشروعية دولية أي وجود الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، وإنه لا مهرب من الإقرار بأن ما جرى ويجري في غزة وكذلك التصعيد الكبير في الجبهة الشمالية مع «حزب الله» في لبنان، هو تمهيد ضروري لاستهداف ما تبقى من عنوان الدولة الفلسطينية أي السلطة الوطنية في رام الله، وهي المهمة الأساسية التي تنفذها حكومة نتانياهو بكل الطرق وبتجنيد كامل للمستوطنين.