بعد أن ذاع صيته في بلده وأقطار الخليج المجاورة، وأثبت للجمهور أنه صوت رخيم وعازف عود بارع ومطرب لا يشق له غبار، من خلال أغانيه العاطفية الجميلة، التي بدأها بأغنية «وردك يا زارع الورد»، و«سويعات الأصيل» و«حبك سباني» وغيرها، اتجه الفنان السعودي الكبير طلال مداح في ستينيات القرن الماضي للغناء في البلاد العربية.
وكانت البداية من لبنان، الذي كان وقتذاك مصيف العرب الأوحد. ولهذا كانت تقام في مصايفه الشهيرة كمصيفي «بحمدون» و«عالية» كل صيف حفلات غنائية جماهيرية، بمشاركة أشهر المطربين العرب من مصر ولبنان وسوريا والعراق ودول الخليج العربية.
في إحدى زيارات طلال مداح الأولى إلى لبنان في مطلع الستينيات الميلادية عرض عليه اللبنانيون المشاركة بالتمثيل مع الغناء في فيلم سينمائي مقابل أن يسهم شخصياً في الإنتاج. ونظراً لقلة خبرته في هذا المجال وافق صاحبنا من دون تردد، ومن أجل ذلك عاد إلى السعودية وقرر أن يبيع ثلاثة عقارات كان يملكها في الطائف، وأخذ ثمنها وطار عائداً إلى بيروت لإنجاز الفيلم.
والإشارة هنا إلى فيلم «شارع الضباب»، الذي عرض للمرة الأولى بدور العرض في الأول من يناير 1967، وكانت مدته 90 دقيقة، وقام بإخراجه مخرج مصري لم يكن معروفاً آنذاك هو المخرج «سيد طنطاوي» (كان قد أخرج حينذاك فيلماً مصرياً يتيماً هو فيلم «ولدت من جديد» سنة 1965 من بطولة محرم فؤاد ونزهة يونس وملك سكر)، بمساعدة المخرج اللبناني تيسير عبود.
شارك مداح التمثيل كلاً من الشحرورة صباح وعلياء النمري وقطقوطة وعادل مراد وسميرة البارودي ونادية حمدي ورشيد علامة وهند طاهر وهاشم قنوع وسعاد كريم وسمير شمص، وفيه تقرر أن يغنى أغنيتين من أغانيه، فأذيعت واحدة منهما فقط، وكانت باللهجة والإيقاع المصريين وهي أغنية «مش ده كلام ينقال» من كلمات ميشيل طعمة، وألحان الموسيقار السعودي غازي علي، أما الأغنية الثانية فلم تصور ولم تذع وكانت أيضاً باللهجة المصرية وهي «حبايبي بالميات» من كلمات ميشيل طعمة، وألحان الملحن السوري محمد محسن.
لم يحقق الفيلم النجاح الجماهيري الذي تمناه مداح. فقصته التي كتبتها الراقصة المصرية امتثال زكي، التي اتجهت لاحقاً إلى التمثيل لم تكن سوى حدوتة مستهلكة تدور حول شاب يعاني صدمة عاطفية، بسبب الفتاة التي يعشقها بعدما عرف أنها فتاة ليل.
تمضي الأحداث فيتعرف الشاب إلى امرأة تكبره في السن ومتزوجة، فيطلب منها الانفصال عن زوجها، لكنه ينكث عهده بعد أن يتم الطلاق، وتمضي الأحداث ضمن هذا السياق.
أما الشيء الوحيد الذي خرج به مداح من هذه التجربة السينمائية الفاشلة فهو اتساع نطاق شهرته داخل لبنان وخارجها إلى درجة أن المسارح اللبنانية كانت تبحث عنه، للتعاقد معه لإحياء الحفلات، خصوصاً أنه وقف في الفيلم أمام الفنانة الكبيرة صباح، التي كانت وقتذاك صاحبة شهرة طاغية في مجالي الغناء والتمثيل.
هذا ناهيك عن أن الفيلم المذكور أدخل مداح التاريخ كأول فنان سعودي يخوض تجربة التمثيل والإنتاج السينمائي، وهو ما وضع المملكة العربية السعودية على خريطة الإنتاج السينمائي لأول مرة.
كان لمداح وقت أن خاض تجربته السينمائية تلك والتي لم يكررها تجربة وحيدة لجهة الوقوف أمام كاميرات التصوير، ونعني بذلك تقديمه أول «فيديو كليب» عام 1965 من تصوير التلفزيون السعودي لأغنيته الشهيرة «عيني علينا» من ألحانه وكلمات صديقه لطفي زيني.
عدا ما لحق به من خسائر مالية من وراء «شارع الضباب» تعرض مداح لانتقادات مريرة داخل بلده، بل استدعته وزارة الإعلام قبل عرض فيلمه للاستفسار عن طبيعته ومحتواه وأغانيه، وهو ما جعله يلغي أغنيته الثانية من الفيلم كما أشرنا آنفاً.